سودانيون

محمد الحسن محمد نور يكتب: الآن.. الآن وليس غداً!

محمد الحسن محمد نور يكتب: الآن.. الآن وليس غداً!

لقد أحدث سقوط الفاشر وبارا (وما صاحبهما من إبادة جماعية وتطهير عرقي) كشفاً للبشاعة أمام العالم أجمع، وأثار الضمير الإنساني، فحرك الجماهير والمنظمات الحية، وأدى إلى زلزال سياسي عنيف أسقط جميع الأقنعة.

تضاربت مصالح إقليمية مع أخرى دولية، فلم تستطع أمريكا المضي قدماً في مساواة الجيش السوداني بمليشيا الدعم السريع. قلت حدة تصريحات السيد مسعود بولس – مستشار الرئيس ترمب – وبرزت بدلاً عنها تصريحات وزير الخارجية الأمريكي القوية، التي أدانت مليشيا الدعم السريع بوضوح ودون أي مواربة، بل ذهب في تصريحاته إلى أبعد من ذلك حين ألمح إلى إمكانية تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية – وهو مطلب ظل السودان يؤكده ويلح عليه.

أما الآن، فسواء أعلنت واشنطن ذلك رسمياً أم لم تعلنه، فإن الإعلان قد تم فعلياً في أذهان الرأي العام العالمي. تحول العالم بأكمله – إلا القلة القليلة – نحو دعم علني وصريح للشعب السوداني ومؤسساته الرسمية.

الآن.. الآن.. الفرصة متاحة على طبق من ذهب، وسانحة أكثر من أي وقت مضى للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة. فهلا التقطت الحكومة القفاز الآن، وأخذت بزمام المبادرة؟

بقليل من الحكمة، يمكن تحويل سقوط الفاشر وكامل الوضع إلى نصر مبين.

كيف نستثمر الواقع الجديد الذي خلقته التحولات الكبرى في الرأي العام العالمي – وكيف ندفع بتحقيق المطالبات الدولية المتزايدة بقطع الإمداد عن المليشيا وكيف نكرس التحول الأمريكي الواضح والصارم الداعي إلى قطع إمداد المليشيا بالسلاح لأول مرة؟

يجب على الحكومة عدم الانتظار، والتحرك بسرعة والدفع في اتجاه تحقيق هذا الهدف ولكن بحنكة.. كيف؟

فتح حوار دبلوماسي مباشر مع داعمي المليشيا:

نقترح على الحكومة أن تفتح حواراً دبلوماسياً “بكل شجاعة وحنكة” مع داعمي المليشيا دون أي وساطة. تقدم لهم البديل المنطقي الذي يفيدهم على المدى المنظور والطويل، بضمان مصالحهم المشروعة، والتعاون المشترك بكامل الندية، وقبول استثماراتهم، والتأكيد على حفظ ماء الوجه، كما تحفظ للحكومة سيادة البلاد في آن معاً. وبتحرك عقلاني من هذا القبيل، يمكن أن نحول العداء إلى صداقة، شراكات مفيدة، وتنمية مستدامة للطرفين.

لكن قبل ذلك كله، يجب على الحكومة تهيئة الوضع وخلق الأرضية المناسبة بإسكات الأصوات العدوانية العشوائية المتشددة التي تتحرك دون رؤية ودون إذن (كما أوردنا في مقال سابق).

توحيد الجبهة الداخلية،،

من أجل الانعتاق الكامل من هذا الوضع المزري، لا مناص من توحيد الجبهة الداخلية – ويستحيل الوصول لأي حل للأزمة دون تحقيق ذلك. وفي تقديري، إن معالجة قضية حزب المؤتمر الوطني يكفل درء شرين وصيد عصفورين بحجر واحد.

لا بد من طرح الموضوع بنظرة معمقة وبكل شفافية، ولا بد من القول بصدق: إن تأثير حزب المؤتمر الوطني وسعيه للسلطة في هذا الوقت وفي هذه الظروف يعرض وضع البلاد الهش المضطرب إلى ضغوط خارجية تصعب مقاومتها، فضلاً عن المعارضة الداخلية التي تزيد من تأجيج الأوضاع.

أما الحل – في تقديري – فهو بسيط ومتاح، ويمكن تحقيقه بخطوات سهلة:

أ. تمنع الحكومة بصورة رسمية الخطاب الاستقطابي الحاد المتبادل بين جميع الكتل السياسية.

ب. تعلن الحكومة رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني بأمر رئاسي مباشر بشرطين: أن يقدم الحزب الأفراد المطلوبين من عضويته في قضايا الفساد طوعاً للعدالة.

ج. ثم يُقنع الحزب بإيقاظ حسّه الوطني، ويعلن انسحابه المؤقت من المنافسة السياسية خلال الفترة الانتقالية، وعدم سعيه للسلطة إلا بعد إجراء الانتخابات العامة، لصالح إدارة تكنوقراط مستقلة لعبور الفترة الانتقالية.

هذا الإجراء يحد من الضغوط الخارجية المعادية للإسلاميين، يدرأ الأصوات المعارضة، يوحد الجبهة الداخلية، ويسهل إنجاز الفترة الانتقالية بسلاسة حتى الانتخابات العامة.

إعلان السودان الفيدرالي فوراً:

بعد نجاح الخطوة السابقة – أو تزامناً معها – يمكن أن تبدأ الحكومة حالا (وفورا) في تطبيق التوصيات الواردة في مقالنا السابق، وأبرزها إعلان السودان الفيدرالي. هذا يبني الثقة ويوحد الجبهة الداخلية. ثم ننتقل مباشرة إلى الخطوات العملية في الولايات المستقرة تحت سيطرة الجيش، “لتكون نموذجا لباقي الولايات التي ما تزال تحت سيطرة المليشيا”.

أ. إجراء انتخابات ولائية، وتشكيل حكومات ولائية بصلاحيات كاملة لاستغلال مواردها وفق نصوص القانون الفيدرالي.

ب. إيفاد ثلاثة أعضاء منتخبين من كل ولاية إلى المركز لتشكيل المجلس التشريعي الوطني.

تفاصيل التنفيذ الكاملة – بما فيها الجهات المسؤولة، ومهام الفترة الانتقالية مثل نزع السلاح، الدمج والتسريح، إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية والشرطية والعدلية، إصلاح الخدمة المدنية، ووضع استراتيجيات التنمية – مذكورة بالتفصيل في المقال المنشور بتاريخ 30 أكتوبر 2025 بعنوان:

محمد الحسن محمد نور يكتب: سقوط الفاشر.. كيف نحوله إلى نصر حقيقي؟

الرابط:

محمد الحسن محمد نور يكتب: سقوط الفاشر.. كيف نحوله إلى نصر حقيقي؟

 

الآن هو وقت العمل، لا التردد. دعونا نحول المأساة إلى انتصار تاريخي للسودان!

17 نوفمبر 2025

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.