تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
نظّم السودانيون في كندا، وقفة احتجاجية أمام السفارة الإماراتية في العاصمة أتوا رفضاً للدعم العسكري واللوجستي الذي يقدمه نظام أبوظبي لميليشيا الدعم السريع، المتورطة في ارتكاب جرائم واسعة ضد المدنيين في الفاشر وبارا وعدد من مدن السودان، وجدد المحتجون الغاضبون مطالبتهم للحكومة الكندية بمواصلة موقفها الصارم تجاه الانتهاكات، وبضرورة محاسبة الجهات الإقليمية المتورطة في تأجيج الحرب، مؤكدين استمرار حملات التوعية في الأوساط الكندية لكشف حقيقة ما يجري في السودان، وحظيت الوقفة بمشاركة أجانب وأجهزة إعلام محلية ودولية.
مطالبة الحكومة الكندية مواصلة موقفها الصارم تجاه جرائم الميليشيا..
موقف أخلاقي:
اكتسبت الوقفة الاحتجاجية في العاصمة الكندية أهمية خاصة بالنظر إلى الموقف الكندي المتقدم في إدانة الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع منذ اندلاع الحرب، حيث عبرت كندا عن قلقها البالغ إزاء أعمال العنف ممنهجة والمستمرة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في حق المدنيين بمدينة الفاشر، مستنكرة بأشدِّ العبارات جميع الفظائع، ومطالبة في الوقت نفسه بوقف العنف فوراً، يأتي ذلك في وقت دعا فيه نواب في البرلمان الكندي إلى مناقشة القضية الإنسانية في جلسات رسمية، فيما واصلت منظمات إنسانية وحقوقية كندية الضغط لمساءلة الأطراف المتورطة في الجرائم والانتهاكات التي شهدتها مدينة الفاشر، لتأتي وقفة أتوا للغاضبين السودانيين من أجل تعزيز الدعوات المُطالِبة بتجريم دعم أبوظبي لميليشيا آل دقلو، وترسيخ نداء الصوت السوداني في الفضاء العام الكندي، بوصفه صوتاً يحمل سردية الضحايا، ويواجه الدعاية العابرة للحدود بالحقائق والأسانيد والأدلة الدامغة.
دعوة إلى شراكات مع كيانات كندية لضمان وصول الرواية السودانية الحقيقية..
غضبة تتحدى الثلج:
جرت الوقفة الغاضبة للسودانيين في كندا، وسط طقس قاسٍ تخللته برودة حادة وتساقط كثيف للثلوج، وهي ظروف لم تمنع السودانيين الذين تداعوا من كل حدب وصوب خفافاً وثقالاً، في مشهد جسّد حالة الوعي الوطني العميقة، حيث رفع المحتجون لافتات مؤلمة تعكس معاناة السودانيين تحت نيران الحرب، والخراب الذي حلّ بمدن كاملة، وصدحت الحناجر بهتافات قوية عكست قناعة راسخة بأن في حضرة الوطن تهون كل المخاطر، فقد بدت الوقفة أشبه ببيان وجداني جماعي يؤكد أن الوطن الجريح ما زال قادراً على جمع أبناءه في المنافي، وأن العدالة قضية أكبر من بعد المسافات، ومن قسوة الطقس المبلل بالبرد والثلج.
الكاتبة الصحفية أمل هباني خطفت الأضواء بمشاركتها في الوقفة الاحتجاجية..
لفتة أمل هباني:
وشهدت وقفة السودانيين الغاضبين في أتوا، حضوراً لافتاً لمختلف أطياف المجتمع السوداني مع تنوع ميوله وأفكاره ما جسَّد المعنى الحقيقي لوحدة الضمير السوداني، وخطفَت الكاتبة الصحفية والمناضلة النسوية الأستاذة أمل هباني الأضواء خلال مشاركتها في الوقفة، وانفعالها بصوتها المنساب الواضح والرافض لقتل السودانيين ودعم الميليشيات، وقوبلت مشاركة الناشطة أمل هباني بحفاوة وترحاب وتفاعل كبير من قبل السودانيين المشاركين في الوقفة وبخاصة الناشط ” أبو رهف”، بل إن التفاعل الإيجابي بمشاركة هباني تخطى الحدود الكندية ليحصد الإعجاب على منصات التواصل الاجتماعي للسودانيين وذلك استناداً إلى السجل النضالي الواسع للأستاذة أمل هباني والممتد منذ عهد الإنقاذ، وقوفاً في وجه الاستبداد ومناصرةً للضحايا، ثم دورها اللاحق في مرحلة الكفاح الثوري، لقد مثَّلت مشاركة هباني في هذه وقفة السودانيين الغاضبة في أتوا دلالةً قوية على أن الأزمة الحالية وحدت السودانيين على اختلاف مدارسهم الفكرية والسياسية، وأنهم اليوم يقفون مع الفاشر، وبارا، وكل بقاع السودان المُنتهَكة من قبل الجنجويد ولسان حالهم يهتف بقول الشاعر الفخيم:” كل أجزائه لنا وطنُ”.
إدانة الإمارات:
وامتدح دكتور إبراهيم الزين هجو أحد الناشطين المنظمين لوقفة الغضب السودانية في مدينة أتوا، المشاركة الفاعلة والقوية للسودانيين في كندا، وقال في إفادته للكرامة إن الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في الفاشر وبارا ومناطق أخرى لا يمكن فصلها عن الدعم الإماراتي من أسلحة ومعدات وطائرات مُسيّرة وتمويل سياسي ولوجستي، مبيناً أن جرائم الجنجويد شملت قتل المدنيين، التطهير العرقي، الانتهاكات الواسعة للنساء، والنهب المنظم، مؤكداً أن كل هذه الوقائع تضع دولة الإمارات في خانة المسؤولية الأخلاقية والقانونية بموجب القانون الدولي الإنساني، لأنها دعمت طرفاً مسلحاً متورطاً بوقائع مُثبتة أمام المنظمات الدولية.
مسؤولية تأريخية:
وجدد الأستاذ هاشم نوريت رئيس الجبهة الوطنية للسودانيين بالمهجر لسودانيي المهجر، التأكيد على دعم وإسناد القوات المسلحة والقوات المساندة لها في معركة الكرامة الوجودية ضد ميليشيا الدعم السريع ومرتزقتها، وثمن نوريت في إفادته للكرامة تفاعل الجالية السودانية في كندا ومشاركتها الفاعلة في هذه الوقفة الغاضبة مؤكداً أن السودانيين في كندا أمام مسؤولية تاريخية في توعية الرأي العام الكندي، وخلق شراكات مع المنظمات والبرلمانيين والفاعلين السياسيين لضمان أن تصل الرواية السودانية الحقيقية، بعيداً عن محاولات التزييف.
توسيع الحملات التنويرية:
ودان الأستاذ فيصل عوض خالد أحد الناشطين المنظمين للوقفة الاحتجاجية، الصمت الدولي الغريب والمريب تجاه المجازر التي ظلت ترتكبها ميليشيا الدعم السريع في حق المواطنين الأبرياء والعزل، وشدد دكتور عوض في إفادته للكرامة على ضرورة توسيع الحملات التنويرية وسط الرأي العام العالمي والكندي لتشمل الجامعات ووسائل الإعلام والدوائر الحكومية، مؤكداً أن المعركة اليوم معركة وعي قبل أن تكون معركة بنادق، وأن فضح وتعرية الدور الإقليمي في التغذية وإذكاء نار الحرب وإطالة أمدها هو خطوة أساسية لحماية المدنيين ووقف الانتهاكات الجرائم المرتبكة في حقهم، منوهاً إلى أن هذه التحركات تشكل دعماً معنوياً وسياسياً مهماً للضحايا داخل السودان، وتعزز من الضغوط الدولية على الجهات التي تموّل أو تسلِّح الميليشيات، هذا وقد أشاد المتحدثون بالجهود المتعاظمة التي بذلها الناشط البيجاوي الباقر المليك الذي كان له دور كبير في إنجاح الوقفة من خلال التنظيم، والإعداد، والتوثيق، وتوفير الخدمات الضرورية التي سهَّلت من عملية النقل، وترحيل الكثير من أفراد الجالية السودانية من تورونتو إلى العاصمة أتوا وبالعكس.
السودانيون لن يصمتوا على الدعم الإماراتي الذي يضاعف من مأساة المدنيين.
خاتمة مهمة:
وهكذا، فإن الوقفة الاحتجاجية الغاضبة للسودانيين في العاصمة الكندية أتوا، تجاوزت حدود التظاهرة والتجمع الاحتجاجي، لتمثل عملاً وطنياً واعياً يسعى لحماية السودان، وتوثيق الجريمة، ودعم مسار العدالة، والتأكيد على أن الذاكرة السودانية ما زالت تقاوم حتى في أقاصي الشتات، وهي خطوة تعكس تحولاً مهماً في طبيعة التحركات السودانية في الخارج التي باتت أكثر تنظيماً ووضوحاً في أهدافها، وأكثر قدرة على بناء خطاب حقوقي متماسك، كما أن الرسالة الموجهة لنظام الإمارات، وللمجتمع الدولي كانت صريحة، وواضحة، مفادها: أن السودانيين لن يصمتوا على الدعم الذي يطيل أمد الحرب ويضاعف من مأساة المدنيين.
* نقلا عن صحيفة (الكرامة)