سودانيون ميديا: متابعات
في بلدٍ أنهكته الحرب وتفككت مؤسساته، وبين تنازع الميليشيات وانكفاء القوى السياسية، يطلّ رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، بخطاب “استعادة الدولة” عبر حكومة أطلق عليها “الأمل” ووصفها بالمستقلة، لكنها تواجه منذ لحظتها الأولى موجة ارتدادية من الأسئلة: فهل هي بداية تحوّل فعلي نحو المسار المدني؟ أم إعادة تدوير للنفوذ العسكري؟ وأين يتموضع الإسلاميون في خارطة الحكم الجديدة؟
وهل تتسلل عناصر قوى الحرية والتغيير إلى اللعبة أم تُترك خلف الستار؟
ما بين تعيينات أولية شملت وزارات سيادية، ومشاورات مستترة على طاولة أطراف الداخل والخارج، يرسم إدريس خطوط حكومته المرتقبة، بينما يقف الجيش السوداني في قلب المعادلة، ممسكًا بمفاتيح الأمن والقرار السياسي، وسط تساؤلات لا تهدأ حول مستقبل التحالفات، وحدود الدور العسكري في الدولة القادمة.
أما التيار الإسلامي، ورغم تراجع حضوره العلني، فيبقى حذرًا في خطواته، حاضرًا في بعض الكواليس، وغائبًا عن التعيينات الرسمية، ما يطرح علامات استفهام حول ملامح العودة أو الاكتفاء بالنفوذ غير المرئي!!
أثار إعلان رئيس الوزراء كامل إدريس عن أولى التعيينات الوزارية في حكومته الجديدة جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية بسبب التباينات حول الشخصيات المطروحة ومعايير الاختيار، في وقت يتصاعد فيه الجدل حول احتمالية عودة تحالف قوى الحرية والتغيير (المعروف شعبيًا بالقحّاتة) إلى المشهد التنفيذي، بعد غيابه لأكثر من عامين منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
حكومة كفاءات مستقلة
أعلن إدريس، الذي تسلّم مهامه رسميًا في مايو الماضي، عن تعيين عدد من الوزراء في وزارات حيوية شملت الدفاع، الداخلية، الصحة، الزراعة، والتعليم العالي، وسط تأكيدات بأن التشكيلة ستُبنى على “الكفاءة والاستقلالية”، دون محاصصات حزبية أو جهوية.
وتأتي هذه التعيينات بعد أسابيع من مشاورات مكثفة أجراها إدريس مع مكونات مدنية وأمنية، وسط ضغوط من أطراف مسلحة تطالب بنصيب في السلطة بموجب اتفاق جوبا للسلام.
خلافات مكتومة واتهامات مبكرة
وبرزت أصوات رافضة من بعض الكتل السياسية والمسلحة، التي رأت في الحكومة الجديدة “إقصاءً غير معلن”، واتهمت رئيس الوزراء بتجاهل التوازنات السياسية، خصوصًا في ظل عدم تمثيل قوى معلنة ضمن الحكومة.
عودة القحّاتة
رغم نفي رسمي من مكتب رئيس الوزراء بوجود “صفقة” مع الحرية والتغيير، إلا أن مؤشرات عدة توحي بإمكانية التفاهم بين الطرفين، خاصة بعد لقاءات غير معلنة جمعت أطرافًا من “المجلس السيادي” بممثلين من “قحت” في دول الجوار.
وتتحدث مصادر عن طرح مبادرة مدنية لإنهاء الحرب وتهيئة الأجواء لعودة العمل السياسي المدني، قد تكون قحت جزءًا منها ضمن دور “استشاري انتقالي”، دون شغل مناصب تنفيذية في الوقت الراهن.
تحديات كبيرة
ويعرف عن كامل إدريس استقلاله عن المحاور السياسية وابتعاده عن مراكز الضغط المحلية، وهو ما أكسبه دعمًا دوليًا لترؤس الحكومة. إلا أن تحديات الداخل – من انقسام مؤسسات الدولة إلى تعدد مراكز القوى – قد تُعطّل مساعيه لتشكيل حكومة متماسكة وشاملة.
ويبدو أن إدريس يسير على حبل مشدود بين متطلبات المرحلة الانتقالية، وضغوط التوازن السياسي، ما يجعل معركة العبور السياسي معقدة وبحاجة إلى نفس طويل وقدرات استثنائية، والتعيينات الأولى قد تكون بداية لمرحلة جديدة، لكن نجاحها يعتمد على مدى قبول الفاعلين المحليين، والتوافق على الحد الأدنى من شروط العملية السياسية القادمة، والتي قد تشمل – أو لا تشمل – قوى الحرية والتغيير.