تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
كشف السودان عن تقييد (120,594) دعوى جنائية في مواجهة قادة وأفراد ميليشيا الدعم السريع المتمردة والمتعاونين معها في مختلف ولايات السودان، وأكد المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث ادريس الحارث خلال تقديمه بيان السودان أمام مجلس الأمن الدولي الجمعة، ردّاً على تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أنه قد تمت إحالة (3,997) دعوى جنائية منها إلى المحاكم العادية، وبلغ إجمالي عدد الجلسات في المحاكم بمختلف الولايات (6168) جلسة فصل القضاء الوطني في (1,093) دعوى جنائية ولا تزال (2,904) دعوى جنائية قيد النظر أمام المحاكم.
تقييد (120,594) دعوى جنائية في مواجهة قادة وأفراد الميليشيا..
جريمة عدوان
بيان المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث أمام جلسة مجلس الأمن، طالب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بإضافة شخصيات وعناصر من دول خارجية، سواء من دول الجوار السوداني أو من الإقليم الأفريقي، بما في ذلك كبار الرعاة الإقليميين، إلى قائمة التحقيق، لدورهم في التحريض على مواصلة الحرب، وتقديم الدعم اللوجستي، وتهريب السلاح، وتوفير المؤن والطائرات المسيّرة لمليشيا الدعم السريع، بما مكّنها من احتلال أجزاء من الإقليم السوداني، بالاستعانة بمرتزقة أجانب، بهدف إنشاء حكومة موازية، وأبان السفير الحارث أن ما جرى يمثل “جريمة عدوان” جديدة، ينبغي التصدي لها عبر إدراج هذه العناصر في التحقيق، بما يضع حدَّاً لحالة الإفلات من العقاب التي تفاقمت مؤخراً، ضمن سلسلة الفظائع التي شهدها العالم، مناشداً المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي واللوجستي والسياسي الكافي، لتمكين المحكمة الجنائية الدولية من الاضطلاع بولايتها في التحقيق بشأن الجرائم الجسيمة المرتكبة حالياً في دارفور، مبيناً أن استمرار إفلات الجناة من العقاب لا يهدد السلم والأمن في دارفور فحسب، بل يقوّض جهود العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في السودان بأسره.
مطالبة بإضافة “أجانب” إلى قائمة التحقيق، لدورهم في إطالة الحرب..
اللجنة الوطنية
اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني، كانت حاضرة بين ثنايا بيان المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث، ذلك أن هذه اللجنة تمثل خطوةً مهمة على طريق المساءلة، بوصفها لجنةً مستقلة شكلتها الحكومة، وتضم خبرات قانونية وقضائية سودانية، وتتمتع بصلاحيات واسعة للتحقيق مع أي طرف متورط في الجرائم، حيث استعرض السفير الحارث قرار تشكيل اللجنة الوطنية، ومهامها واختصاصاتها، وإحاطتها بكافة الانتهاكات التي رصدتها اللجنة في السودان منذ اندلاع تمرد ميليشيا الدعم السريع في 15 أبريل 2023م خاصة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيا في مدينتي الجنينة بغرب دارفور، وزالنجي بوسط دارفور، بالإضافة إلى الجرائم والانتهاكات التي قام بها المتمردون ولاية الجزيرة، بالإضافة إلى تفاصيل الدعاوى الجنائية التي قامت اللجنة الوطنية بقيدها ضد المتمردين والخاصة بالإبادة الجماعية التي حدثت لقبيلة المساليت بمدينة الجنينة وأحداث منطقة أردمتا، وتفاصيل عملية اغتيال والي غرب دارفور الجنرال خميس عبد الله أبكر في يونيو 2023م، وأكد السفير الحارث استعداد اللجنة الوطنية للتعاون مع المجتمع الدولي وترحيبها بأي دعم فني أو لوجستي لبناء قدراتها وفى التعاون الفني وتبادل الخبرات مع أجهزة القضاء الدولي شريطة أن يكون مكملاً للمسار القضائي الوطني وليس بديلاً عنه وفقاً لمبدأ التكاملية الحقانية.
إشادة بالتزام السودان بمبدأ تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب..
عدم الإفلات من العقاب
وعلى الرغم الحرب الطاحنة التي فرضتها ميليشيا الدعم السريع على الدولة ومواطنيها، فإن محللين سياسيين يحسبون للسودان التزامه بمبدأ تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب، مشيدين بمضي الحكومة السودانية قدماً في مسار عدلي وطني شفاف يستند إلى سيادة القانون، ويرتكز على احترام سيادته الوطنية وملكية مؤسساته لمسارات العدالة، دون إملاءات خارجية أو تدخلات تمس استقلالية قراراته، فقد ظلت الحكومة السودانية، تحذر في غير ما مناسبة، من مغبة تسييس آليات العدالة الدولية، وتطالب المحكمة الجنائية الدولية لتظل أداةً قانونية لتحقيق العدالة، لا منصةً لتصفية الحسابات السياسية أو ممارسة الضغوط على الدول ذات السيادة، ولعل الضمير الواعي يُملي على الأمم المتحدة بمنظماتها الحقوقية، والفاعلين في المجتمع الدولي، أن يعملوا جميعاً على دعم وإسناد اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني بوصفها الآلية الأساسية التي تضطلع بمهمة تحقيق العدالة داخل السودان، ذلك أن تقديم الدعم الفني واللوجستي لهذه اللجنة سيعزز فاعليتها ويكفل شراكة حقيقية بين السودان والمجتمع الدولي.
دلالات سياسية وقانونية
ووفقاً لمراقبين فإن الخطاب الذي قدمه المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث أمام جلسة مجلس الأمن الدولي قد حمل بين طيّاته العديد من الدلالات السياسية والقانونية العميقة، لعل من أبرزها أن السودان لا يتنصل من التزاماته الدولية، وإنما يسعى لترسيخ عدالة نابعة من إرادة وطنية خالصة، الأمر الذي يضع المحكمة الجنائية الدولية أمام خيارين لا ثالث لهما،: إما احترام السيادة السودانية والدخول في شراكة بناءة، أو المجازفة بإضعاف مصداقيتها عبر الاستمرار في نهج التسييس والانتقائية، ويؤكد متابعون للقضية السودانية أن خطاب السفير الحارث سيكون له تأثيرات إيجابية في إعادة ضبط العلاقة بين الحكومة السودانية والمحكمة الجنائية الدولية على أساس الندية والتعاون المشروط بالاحترام المتبادل، كما يفتح الباب واسعاً أمام حوار أكثر عقلانية حول آليات دعم العدالة الانتقالية في السودان بعيداً عن التجاذبات السياسية أو التوظيف الإعلامي المُضر، خاصة في ظل الفضح المستمر لعورة الجرائم المتكررة لميليشيا الدعم السريع، وانتهاكاتها للقانون الدولي والإنساني.
خاتمة مهمة
ومهما يكن من أمر فإن بيان المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث أمام مجلس الأمن الدولي، لا يُعد مجرد رد دبلوماسي على تقرير المدعي العام، بل يمثل إعادة تعريف لحدود الشراكة الممكنة مع المحكمة الجنائية الدولية، على قاعدة الاحترام، والسيادة، والعدالة الوطنية التي لا تقل مشروعيةً عن أي مسار دولي آخر، فقد أكد الحارث إدريس، أن السودان ليس ضد العدالة، ولكنه ضد الانتقائية والتسييس.
* نقلا عن صحيفة (الكرامة)