“مفاوضات واشنطن”.. هل كسر “سالم” الطوق؟!
وزير الخارجية يعود "الأربعاء" بعد لقاءات ناجحة مع مسؤولين بالإدارة الأمريكية..
تقرير- محمد جمال قندول
زيارة وزير الخارجية السفير محيي الدين سالم إلى واشنطن كانت محط اهتمام كبير، سيما وأن ما أثير حول ظهوره ببلاد العم سام كان المادة الأبرز مع أنباء رائجة بأن ملف السلام والتفاوض كان حاضرًا ضمن أجندته.
وكان سالم قد وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية يوم الخميس الماضي، حيث يعد أول مسؤول من حكومة الأمل يصل أمريكا في زيارة ثنائية.
تطبيع العلاقات
وكانت الكرامة قد كشفت في عدد الأمس (الأحد) عن تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الخرطوم وواشنطن، حيث من المرتقب وصول وفد اقتصادي أمريكي للسودان خلال نوفمبر المقبل.
وبحسب مصادر متطابقة تحدثت لـ”الكرامة” فإنّ رحلة وزير الخارجية السفير محيي الدين سالم للولايات المتحدة الأمريكية والتي وصلها يوم الخميس الماضي حققت نجاحًا كبيرًا، حيث أبدت الإدارة الأمريكية حرصًا على تطبيع العلاقات.
وفي الأثناء، يواصل وزير الخارجية لقاءاته مع المسؤولين بالإدارة الأمريكية، لبحث تطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د. عبد الملك النعيم قال إنّ الحوار مع أمريكا لم ينقطع حتى على أيام الإنقاذ وهي تحاصر البلاد اقتصاديًا وتضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث ظل الحوار والتعاون مستمر في ملفات مهمة مثل مكافحة الإرهاب، وتحجيم الهجرة غير الشرعية، وجاءت هذه الاعترافات على لسان وزير خارجية أمريكا حينئذ كولن باول بالخرطوم.
ومن هذا المنطلق بحسب النعيم، فإنّ العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن لم تنقطع أبدًا، غير أنها تمر بالفتور بين الحين والآخر حسب تموضع الأحداث الدولية. واعتبر عبد الملك النعيم بأن رحلة سالم تعد مهمة، إذ أنها قطعًا أسهمت في شرح وجهة نظر الحكومة السودانية للمشهد الداخلي. كما أنها حسب النعيم، ستسهم في تحريك دوران العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة في كل المجالات، وبالإمكان كذلك أن تلعب أمريكا دورًا فاعلاً عبر الرباعية باعتبارها الدولة ذات التأثير الأكبر.
ويستند محدّثي على ما ذكره أعلاه بخصوص الرباعية من واقع العلاقات الخارجية للولايات المتحدة القائمة على المصالح المشتركة واحترام القوانين الدولية. وبالتالي، فإنّ أي اختراق مع الجانب الأمريكي قد يُسهم في إصابة أكثر من هدف.
شراكة مصالح
ويختتم وزير الخارجية السفير محيي الدين سالم رحلته لواشنطن بعد غدٍ الأربعاء، بعد سلسلة من اللقاءات مع الإدارة الأمريكية.
بدوره، علّق الخبير والمحلل الاستراتيجي د. عمار العركي على معرض الطرح قائلاً: إنّه ومن حيث واقع المعطيات التي تحيط بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي والسودان والتي تضررت كثيرًا، وأفقدتها كثيرًا من المساحات والمزايا لصالح المحور الشرقي بقيادة “روسيا – الصين”، فإنّ واشنطن ليس أمامها إلّا أن تتعاطى هذه المرة مع السودان بشيءٍ من المصادقة لأن الوقت والمعطيات لن تسعفها لممارسة سياستها التقليدية “الجذرة والعصا”.
وتابع د. عمار بأن الإدارة الأمريكية أدركت أكثر من أي وقتٍ مضى أهمية السودان كدولة محورية في معادلة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وموقعه المؤثر في مسألة التحالفات وتوازنات الأمن الإقليمي والهجرة ومكافحة الإرهاب. لذلك، يمكن القول إنّ المصداقية الأمريكية نسبية ومشروطة، فحين تتقاطع المصالح الأمريكية مع استقرار السودان، تكون واشنطن جادةً، وحين تتعارض مع أولوياتها الاستراتيجية، تعود إلى سياسة الضغط والابتزاز الناعم وسياسة الجذرة والعصا والضغوط السياسية والاقتصادية.
الحديث عن تحسّن العلاقات ومُضيّها إلى الأمام بحسب العركي ممكن، لا سيما وأن الطرفين يملكان دوافع قوية لذلك: السودان يبحث عن شراكة اقتصادية تفتح مسارات الإعمار، وأمريكا تريد استقرارًا يمنع تمدد النفوذ الروسي والصيني في البحر الأحمر، خاصةً الموانئ والموارد السودانية. ومع ذلك، فإنّ العلاقة لن تُبنى على المجاملة، بل على حساب المصالح الدقيقة والمقايضات المتبادلة.
وزاد د. عمار بالقول: ليس بالضرورة أن يكون الثمن سياسيًا مباشرًا، بل عمليا واستراتيجيا، فواشنطن ستربط أي تعاون أو دعم اقتصادي بشفافية إدارة الموارد والمؤسسات الاقتصادية، وضبط نشاطات المجموعات المسلحة وإعادة هيكلة المشهد الأمني مع إظهار إرادة واضحة في مكافحة الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية.
ويواصل الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي العركي في إفادته ويقول إنّ الحديث عن أي مخرجات إيجابية دلالة وإشارة محورية إلى بداية “مرحلة مؤسسية” جديدة في العلاقات، تنتقل فيها الملفات من الطاولة السياسية إلى مسار التنفيذ العملي، بما يعنيه ذلك من ثقة متبادلة واعتراف بدور الدولة السودانية لا بوصفها طرف لأزمة، بل شريكًا في حلها.
عمومًا، المعطيات تشير إلى أن أمريكا تبدو هذه المرة أكثر واقعية من أي وقتٍ مضى في التعاطي مع السودان، بينما الدبلوماسية السودانية أمام تحدي إثبات النضج وحسن توظيف الفرصة، فأمريكا ليست خصمًا ولا صديقًا دائمًا، بل تتعامل ببراغماتية وحسابات مصالحها الاستراتيجية، ومتى ما نجح السودان في إدارة هذه المعادلة بثقة واقتدار، فإنّ العلاقة ستتحول من ملف أزمة إلى شراكة مصالح.
* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)