سودانيون

عمار العركي يكتب: خبر وتحليل.. ثلاثية محمد خير: زواج إعلامية، عودة سياسي وتسفّل مُفكر

خبر وتحليل

عمار العركي

ثلاثية محمد خير: زواج إعلامية، عودة سياسي وتسفّل مُفكر

* قد يبدو للوهلة الأولى أن الأستاذ المستشار السياسي “محمد محمد خير” يتحدث عن ثلاثة أحداث متباعدة: زواج الإعلامية “لينا يعقوب”، وعودة السياسي “حسن إسماعيل”، وتسفّل “النور حمد”. لكنّ تأمل سياقه وترتيبه يكشف أنه يرسم خريطة مصغّرة لأزمة الراهن السوداني، بأبـعادها الثلاثـة: “الإعلام، والسياسة، والفكر” وهي الأبعاد التي تختزل طبيعة الصراع الدائر في السودان اليوم — صراع الوعي والسيادة والهوية الوطنية.

* ورغم أن حديث “محمد محمد خير” عن لينا يعقوب بدا شخصياً وعاطفياً، إلا أن للرجل، بحكم خبرته وتكوينه السياسي والإعلامي الذي توّج بتعيينه مستشاراً لرئيس الوزراء، قدرة على التقاط المعنى العام من التفاصيل الخاصة. فاحتفاؤه بـ”لينا” لا يمكن عزله عن الأزمة الإعلامية المتزامنة مع زواجها من زميلها الإعلامي “أحمد عربي”، والتي فجّرها قرار وزارة الإعلام بإيقافها وسحب تصريح مزاولتها للعمل بعد تحميلها مسؤولية كل تجاوزات قناة “الحدث”، والاكتفاء بإنذار القناة.

* وما جرى مع “لينا” لا يمثل حادثة شخصية بقدر ما يجسد أزمة إدارة الإعلام الخارجي، خاصة في علاقته بالقنوات الدولية التي شكّلت أداة رئيسية في معركة الرأي العام منذ اندلاع الحرب. فبدلاً من مواجهة المؤسسات الإعلامية العملاقة بقرارات شجاعة وحاسمة، لجأت الوزارة إلى الطريق الأسهل، فعاقبت الفرد وتغاضت عن المؤسسة، لتتحول “لينا” إلى الحلقة الأضعف التي عوقبت بقرارات تدين الوزارة أكثر مما تدينها. وهنا يثور السؤال الجوهري: هل استردت الوزارة بقرارها هذا كرامتها وسيادتها الإعلامية المهدرة على شاشات “الحدث” و”العربية”؟ أم أنها اختارت الهروب من المعركة الحقيقية التي لا مفر منها — معركة الوعي والسيادة الإعلامية؟

* بهذا المعنى، يصبح زواج “لينا” من زميلها الإعلامي “عربي”، كما رآه “محمد محمد خير”، رمزية مزدوجة: فرح شخصي يجمع إعلاميين في قلب معركة إعلامية مهنية وسيادية، وإشارة إلى أن الحياة والمهنية لا تنكسران حتى تحت وطأة القرارات المرتبكة والعجز المؤسسي.

* وإذا كانت “لينا” تمثل بُعد الأزمة الإعلامي، فإن عودة الأستاذ “حسن إسماعيل” تمثل البعد السياسي فيها. فقد رآه “محمد محمد خير” عودةً للسياسة السودانية إلى توازنها الوطني، إذ ظل إسماعيل جزءاً من معركة الكرامة والشرعية السياسية، وعاد ليجد احتفاءً واسعاً من الشارع والنخب الوطنية، في دلالة على أن المزاج العام بدأ يستعيد الثقة في الرموز التي لم تساوم على الدولة ومؤسساتها. كانت عودته بمثابة إشارة إلى بداية مرحلة جديدة تتبلور فيها المسؤولية السياسية الوطنية، والتي عبّر عنها بوضوح في أول تصريحاته بعد العودة، في مقابل الفوضى التي سادت المشهد الحزبي والإعلامي منذ اندلاع الحرب.

* أما “النور حمد”، فيقدّمه “محمد محمد خير” بوصفه الوجه الثالث في خريطة الأزمة — أزمة الفكر حين ينفصل عن وطنه وشعبه. تسفّله، كما وصفه الاستاذ محمد خير ، ليس شتيمة، بل توصيف لانحدار الخطاب الفكري والسياسي الذي بات يجاهر بعداءً صريحاً وسافراً للوطن، وللوجدان الوطني ويستعلي على آلام الناس إنه نموذج لطبقة نخبوية فقدت صلتها بالواقع، وخانت وطنها وشعبها .

* هكذا، ومن خلال هذا الترتيب ، رسم “محمد محمد خير” لوحةً ثلاثية الأبعاد لأزمة السودان الراهنة: إعلام مرتبك يهرب من المواجهة ويُحمّل الأفراد أخطاء المؤسسات، وسياسة تحاول استعادة توازنها وروحها الوطنية، وفكر فقد بوصلته وتنكّر لعمقه الشعبي، وهو جوهر المأزق السوداني الذي تتقاطع فيه الأزمات المهنية مع السياسية والفكر، في لحظة مصيرية ووطنية فارقة.

خــلاصـة الـقـول ومنـتهـاه:

* لقد لخّص “محمد محمد خير” — دون أن يصرّح بذلك — معادلة السودان اليوم: بلد يقف عند مفترق ثلاث طرق، حيث الإعلام يهرب من المعركة، والسياسة تبدأ في التعافي، والفكر يواصل السقوط. وبين هذه المتناقضات، يظل الأمل معقوداً على يقظة وطنية جديدة تدرك أن معركة الكرامة لا تُحسم في الميدان وحده، بل في الوعي والإعلام والفكر أيضاً.

* الأستاذ “محمد محمد خير” متعك الله بالصحة والعافية ، ومبارك الزواج للإعلاميين لينا وعربي، حمداً لله على سلامة الوصول والوفادة للأستاذ حسن إسماعيل، والنور حمد ، هداك الله فكراً ووطنيةً.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.