عمار العركي يكتب: خبر وتحليل.. نعيد ونكرر: تجميد السودان في الاتحاد الإفريقي.. الوفد الدبلوماسي الرئاسي بوابة الحل
خبر وتحليل
عمار العركي
نعيد ونكرر: تجميد السودان في الاتحاد الإفريقي.. الوفد الدبلوماسي الرئاسي بوابة الحل
▪️ في الأيام الماضية تناقلت مصادر إعلامية دولية متطابقة، وأخرى سودانية، روايات حول اجتماعات غير رسمية داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، كشفت عن وجود اعتراضات من ثلاث دول أساسية – جنوب إفريقيا وكينيا وإثيوبيا – على مقترح رفع تجميد عضوية السودان.
▪️ ورغم أن هذه الاجتماعات لم تُعلن بشكل رسمي في بيانات الاتحاد، إلا أن تكرار الرواية عبر أكثر من مصدر دولي وإقليمي يمنحها قدراً من المصداقية، خصوصاً في ظل الصمت الرسمي من قبل الاتحاد الإفريقي وعدم نفيه لتلك التسريبات. وبالتالي، فإن هذه المعطيات تفتح الباب أمام قراءة أعمق لدوافع هذه الدول الثلاث ومبرراتها، بين ما هو مُعلن تحت لافتة الالتزام بميثاق الاتحاد، وبين ما هو مضمر من حسابات سياسية وأمنية إقليمية.
▪️ فعلى مستوى جنوب إفريقيا، يظهر الموقف في إطاره المبدئي المرتبط بالحفاظ على ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يمنع رفع التجميد عن أي دولة تشهد نزاعاً مسلحاً أو انقلاباً عسكرياً. إلا أن القراءة السياسية تشير أيضاً إلى رغبة بريتوريا في ترسيخ صورتها كحارس للقانون والميثاق الإفريقي، وإثبات دورها كقوة معيارية داخل القارة، بعيداً عن الانحياز المباشر لطرف من أطراف الأزمة السودانية.
▪️ أما كينيا، فإن موقفها يتجاوز فكرة الميثاق إلى حسابات الدور الإقليمي. فهي حريصة على إبقاء يدها قوية في الملف السوداني عبر مسار “إيغاد”، وتتبنى خطاباً ينسجم مع مواقف أطراف إقليمية ودولية لديها تحفظات على الجيش السوداني. اعتراضها على رفع التجميد يعكس في أحد جوانبه رغبتها في الاستمرار كوسيط رئيسي لا يمكن تجاوزه، ما يمنحها ثقلاً سياسياً إضافياً في معادلات شرق إفريقيا.
▪️ وفي المقابل، تبدو إثيوبيا الأكثر ارتباطاً بملف السودان من زاوية الأمن القومي المباشر. فإلى جانب تمسكها بالذريعة القانونية، تتحرك أديس أبابا انطلاقاً من حسابات تتعلق بالحدود (الفشقة)، وسد النهضة، والعلاقة المعقدة مع مصر. كما أنها غير راضية عن الاتهامات المتزايدة بشأن تسليح مجموعات متمردة من التيغراي، وترى أن عودة السودان بقوة إلى الاتحاد الإفريقي قد يقيّد حركتها الإقليمية. لذا فإن اعتراضها يعكس محاولة لإبقاء السودان في حالة “تعليق سياسي” بما يخدم مصالحها الإستراتيجية.
▪️ أما من ناحية خيارات السودان لمواجهة هذا الواقع، فإن المخرج لا يكون بالاكتفاء بالاعتراض أو انتظار تبدل المواقف، بل عبر تحرك مباشر ومنظم يقوده وفد دبلوماسي رفيع. وقد ظللنا نؤكد على أهمية تشكيل وفد دبلوماسي رئاسي بقيادة رئيس الوزراء د. كامل إدريس وبصفته غير الرسمية كوزير الخارجية، ووزير الدولة بالخارجية السفير عمر صديق، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق اول احمد ابراهيم مفضل، للقيام بجولة إفريقية تشمل الدول المؤثرة داخل القارة، والتواصل المباشر مع قيادة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا.
▪️ مثل هذا التحرك كفيل بتقليل أثر الحملات المضادة، وكسر الجمود الحالي، وإعادة وضع السودان في مركز التفاعلات الإفريقية بما يعزز فرصه للعودة إلى مقعده الطبيعي في الاتحاد الإفريقي. وعليه، فإن الوفد الدبلوماسي الرئاسي المقترح لا يمثل مجرد تحرك بروتوكولي، بل هو أداة تأسيسية تُمهد لبقية الخيارات وتعيد ترتيب الأولويات.
خلاصة القول ومنتهاه
▪️ من خلال هذا التحرك يمكن فتح قنوات مع العواصم المؤثرة، وبناء جبهة داعمة لعودة السودان، وتهيئة الأجواء لتقديم مذكرة قانونية رسمية للاتحاد، إلى جانب إطلاق مسار إعلامي إفريقي وتنسيق ضغط ناعم عبر الشركاء الدوليين. أي أن نجاح الوفد في جولته سيكون بمثابة حجر الأساس الذي تُبنى عليه كل المسارات الأخرى، ليعود السودان تدريجياً إلى مكانه الطبيعي داخل المنظومة الإفريقية.