سودانيون

محمد عبد القادر يكتب: على كل.. الراحل ايلا.. سر القبول الكبير..

على كل

محمد عبد القادر

(بارع) في تقديم المبادرات و(ناجح) في صناعة الفرق لمصلحة الجماهير..

الراحل ايلا.. سر القبول الكبير..

ياللفجيعة.. مات محمد طاهر ايلا، رمز التجويد والإنجاز بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس، وحاز على احترام المختلفين معه سياسيا وفكريا قبل ثقة ومحبة من يتفقون معه في الرؤية والتوجه والهدف… مات رجل “متفق عليه” مثل، انموذجا للسياسي الصادق حينما يكون في “خدمة الناس”، والقيادي الصادق عندما يحوز على ثقة ومحبة الجماهير، وقد تقاسمت محبته بالتساوي، بعيدا عن الانتماء والايديولوجيا..

“متفق عليه” مثل، انموذجا للسياسي حينما يكون في “خدمة الناس”

رحل الجسد وبقيت المآثر والسير والحكايات شاهدة على تاريخ رجل استثنائي ذاق السودانيون معه طعم التنمية الإنجاز، واطمأنوا في رحلته لوجود رمز ملهم ووطني نبيل وابن بلد غيور..

رحل محمد طاهر ايلا بكل فخامة الاسم وزخم التجربة المكللة بالنجاحات والانجازات والتميز وجعلنا نردد حقا، “بلدا ما فيها ايلا… يا حليلا”.. “النغمة التريند” التي لاحقت تجربته في حكم الانقاذ، وزيرا وواليا ثم رئيسا للوزراء… وحتى بعد تقاعده عن الخدمة..

لم يكن ايلا بأقل جماهيرية من الأحزاب الكبيرة و(الهلال والمريخ) حين كان حاكما ضمن منظومة الإنقاذ وبعد أن تقاعد عن الخدمة في المناصب العامة..

الرجل يتكئ على رصيد وافر من ثقة الناس في عطائه ومواهبه في الاستثمار والاقتصاد والتنمية ودربته السياسية وقدرته على التفكير خارج الصندوق..

من المفارقات العجيبة أنني كتبت عن جماهيريته في الرابع من أكتوبر من العام 2022، حينما استقبله المواطنون بمحبة أسطورية وهو يعود للبحر الأحمر، بعد سقوط الإنقاذ، وهأنذا ارثيه اليوم بعد ثلاثة أعوام ويوم واحد، إذ رحل ايلا اليوم الموافق السادس من اكتوبر بالقاهرة…

قيمة مفقودة يهرع إليها المواطن كلما استبد به البحث عن قائد نظيف

محمد طاهر ايلا مثل أيقونة لتجليات الحكم الراشد في أبهى صورها، وظل قيمة مفقودة يهرع إليها الناس كلما استبد بهم وجع البحث عن قائد نظيف ومسؤول خلاق وملهم.

سر القبول الكبير الذى يجده ايلا يستدعي ما فعله الرجل لحظة أن  كان حاكما على ولايتي البحر الأحمر والجزيرة ورئيسا لوزراء السودان ووزيرا في حكومة الإنقاذ..

حينما كان واليا للجزيرة أعاد “سيارة برادو” وقطعة أرض أهديتا إليه..

مازلت اذكر يوم أن أعاد ايلا حينما كان واليا للجزيرة (سيارة برادو موديل العام) أهديت اليه وتبرع بقطعة أرض درجة أولى خُصصت له في حي (الزمالك الراقي) بود مدني لتكون مشفى لمرضى السرطان.

لم يكتفِ ايلا بهذا الأمر فحسب، وإنما زاد من سماحته وزهده واستقامته كيل بعير وهو يتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه من جيبه الخاص لبناء المستشفى.

تذكرون كيف كانت ميزانية ولاية الجزيرة تتجاوز بنود الموازنة للحد الذي أزعج مجلسها التشريعي فاستدعى الوالي ايلا وقد أفاض على الولاية من مشاريع التنمية يسأله من أين لك هذا؟، وأنت تزيد المدارس والمستشفيات وتضاعف الطرق ومساحات الإنترلوك، فيجيبهم أنه لم يفعل شيئاً سوى إغلاق مواسير كانت تستحل المال العام وتسربه لجيوب المنتفعين من عطالة السياسة وأصحاب الأجندة والمصالح الخاصة.

خصص الأرض المهداة إليه لـ”مستشفى سرطان” وتبرع من جيبه  للبناء…

لم يكن مستغربا أن يتم كل هذا الاستقبال الحاشد لايلا، فالرهان على نزاهة الرجل لم يكن مبنياً على مجهول في شخصيته.. القدوة الحسنة وطهارة الكف واللسان صفات معلومة في تاريخ ايلا، شاد منها سيرة تمشي بين الناس بالعدل وتنطق بالإنجازات المشهودة في كافة المواقع التي عمل بها مديرا ووزيرا وواليا ورئيسا للوزراء.

ايلا من سياسيين قلائل يملكون القدرة على إحداث الفرق، وتحويل الهزائم إلى انتصارات، ولا يراهنون على مجرد (طق الحنك) في كسب ود ومحبة الناس، الطفرة التنموية الهائلة التي أحدثها في البحر الأحمر تقف شاهدة على عبقرية أحالت الولاية إلى وجهة سياحية يأتيها الناس من داخل وخارج السودان..

ايلا ابتدر مشروع التغيير في الإنقاذ حينما كان والياً يلغي تفريغ قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ويمتنع عن تمويل أنشطتها من المال العام ويجرد حملة لمكافحة الفساد ضد بعض رموز الحزب الحاكم حينما تبوأ مقعد رئاسة الوزراء..

زاد مشروعات التنمية بالجزيرة بعد “إغلاق مواسير” تسريب المال العام…

للدكتور محمد طاهر ايلا سبق في صناعة النجاح هو من قيادات ملهمة، مثل أيقونة رامزة للجماهيرية والانتصار حينما كان واليا للبحر الأحمر وفي مهمته الأخيرة بود مدني، راهن كثيرون علي فشله حينما جاء إلى الجزيرة واليا لكنه ظل يقدم كل يوم إنجازً يؤكد أنه (ماهر) في تجاوز الإحباط و(بارع) في تقديم المبادرات و(ناجح) في صناعة الفرق لمصلحة الوطن والجماهير.

القدوة الحسنة وطهارة الكف واللسان صفات معلومة في تاريخ ايلا…

الاستقبال الجماهيري المشهود لايلا في بورتسودان قبل ثلاثة أعوام، نتاج لما كسبت سيرته من إنجازات في أوقات تحمله مسؤولية الناس هناك، لم يكن الحشد قبلياً محضاً كانت القبيلة موجودة ولكن الوفود جاءت مثلما تابعنا آنذاك من نهر النيل والجزيرة والنيل الأبيض ومناطق أخرى من السودان لتؤكد أن للرجل يد سلفت في مضمار العمل العام ودين مستحق على جماهير واعية تحن إلى قيادات سياسية من طراز ايلا وسط زحمة (المواسير) التي أوردت البلاد الهلاك..

مثل الراحل ايلا (شخصية قومية) يتفق السودانيون على كسبها وإن اختلفوا مع انتمائها، رحل ايلا وبلادنا في أمس الحاجة لدربته وحكمته ودأبه على التفكير خارج الصندوق في ظل واقع مأزوم وأوضاع تتعقد كل يوم.

إلى جنات وعيون.. إنا لله وإنا إليه راجعون..

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.