سودانيون

عمر كابو يكتب…ايلا محاط بالسؤدد على مثله تبكي البواكي وتندب

ويبقى الود

 

** دخلت على شقيقتي الحبيبة آمنة تبكي بكاءًا مرًا قلت لها ((مالك بتبكي منو المات))؟ في ثانية سافر عقلي بعيدًا نحو حبيب هو في الصفوف الأمامية يقاتل في صفوف الجيش..

 

** تبينت من بين بكائها أنه الزعيم الخالد بحق دكتور محمد طاهر ايلا والي بورتسودان مدينتها التي عاشت فيها معظم مراحل حياتها من بعد الزواج وعاصرت فيها ايلا واليًا تعرف قدره وحجم عطائه الوافر وقيمته زعيمًا حول ولاية البحر الأحمر كلها لولاية تنضح بالاشراق وتزهو بالجمال وتنبض بالحياة مثلما الجزيرة واليها التي تبرجت في عهده خضراء تسر الناظرين..

 

** هو يوم حزين لكل أهل بورتسودان عارفي فضله ولكل الشرق الذي يفخر بقوته وجسارته وحكمته نافذة البصيرة ولكل أهل السودان الذين يرون فيه نموذجًا صالحًا وقدوة حسنة لتفجير الطاقات ومبأدأة المبادرات وتجاوز العثرات وصناعة الإنجازات وترتيب الشأن العام حسب الأولويات..

 

** دومًا كنت من حين لآخر أجدد إفادتي في عديد المقالات المنشورة في هذه الزاوية أنه أحد أعظم واليين جلسا على كرسي الوالي هو وصديقه مولانا أحمد هارون والي جنوب ومن ثم شمال كردفان..

 

** السمة الغالبة المميزة في طبعه وشخصيته التي لا ينافسه عليها ولا يزاحمه فيها أحد أنه مخلص متجرد لقناعته وما يؤمن به من أفكار..

 

** ومن ذلك أنه ظل مخلصًا وفيًا لأصدقائه فقد رأيناه دائم الزيارة رغم مشاغله الكثيفة الكثيرة وجدول أعماله المزدحم لأسرة شقيقنا الأكبر المرحوم مصطفى الحاج يتفقدهم بعد رحيله،، يسأل عنهم..

 

** حين ذهبت إليه ضمن وفد صديقه ورفيق خطوه مولانا عثمان الشريف نقيب المحامين السودانيين الحالي متفقدين نقابة المحامين بالجزيرة التي كان واليًا عليها خصني بتحية خاصة مطوقًا عنقي ببعض كلمات دلت على وفائه لصديقه مصطفى الحاج..

 

** سبق ذلك بسنوات طوال زيارة لي إلي ولاية البحر الأحمر ضمن وفد الوالي الشجاع كرم الله عباس الشيخ والي ولاية القضارف حينها الذي ضم الحبيب مهندس عثمان الأمين والحبيب محمد الطيب عبدالله..

 

** في تلك الزيارة والتي كانت بدعوة خاصة منه رأى من المهم أن تنقل تجربة بورتسودان للقضارف فقط لأنه عاش مهمومًا بإنسان وتطلعات ونهضة الشرق جله..

 

** طاف وطوف بنا معظم محليات بورتسودان شارحًا لنا الحلول والمعالجات العملية التي انتهجها في حل مشكلة مياه الشرب في الأحياء الطرفية وكيفية مواجهة أزمة الخبز..

 

** وقفنا على انجازاته في كل مدن بورتسودان ومن الإنصاف أن نشهد له بأنه أسس لبنية خدمية فائقة الجودة : مستشفيات ومراكز صحية مجهزة بأحدث الأجهزة ،، ورصف كامل لكل الطرق والجسور وإنارة ما خلا منها شارع أو مكان..

 

** في عهده شهدت المساجد والمدارس والأسواق والميادين والساحات الرياضية والمنطقة الصناعية نقلة نوعية فصارت بيئة مناسبة للإبداع والتفرد والعمل والأمل..

 

** حتى جاءت لحظة تحولت بورتسودان إلي مدينة سياحية تضاهي كل مدن العالم الحالمة تستقبل السائحين الأجانب والزائرين الحاجين إليها من مختلف ولايات السودان..

 

** فكان مهرجان البحر الأحمر قبلة ترويح وواحة سنا ومسرح إبداع وراحة بال من عناء وكد مضن طويل..

 

** إيلا صاحب بصمة واضحة في كل خطوة مشاها وأثر باق في كافة المناصب التي شرف بها روض نفسه أن يكون صاحب الحضور الباذخ تذكره كل المواقع بأنه الأول فيها..

 

** فهو الأبرز من بين جميع مديرى هيئة المؤاني والأعظم من بين كل الذين تقلدوا منصب الوالي والأبرع بين زملائه وزراء السودان يفوقهم بأنه الأقدم عليهم باعتباره أنه شرف به منصب الوزير أبان الفترة الانتقالية في أعقاب الانتفاضة الشعبية ضد مايو..

 

** من المفيد في تجربة الرجل قدرته الفائقة على صناعة النجاح بما امتلك من طاقة استثنائية وقدرة عالية في التواصل الرحيم مع بقية مكونات المجتمع أحزاب وطوائف ومعارضة..

 

** فقد رأيت بأم عيني تشكيله للجنة تطوير بورتسودان التي ضمت ووحدت أهل بورتسودان بعيدًا من التصنيف السياسي الحاد يكفي أنه جعل على رأسها مهندس صارخ الانتماء والولاء إلي حزب الأمة القومي..

 

** دافع بقوة ونافح بشراسة على حقوق الشرق وإنسانه لا يخشى مقارعة المركز ولا يهدأ له بال حتى ينتزع حقوق ولاياته الثلاث وخير دليل على ذلك معاركه الشهيرة مع وزراء المالية وصندوق تنمية الشرق..

 

** من قدر تذكرته أول البارحة على مائدة الإفطار في منزل الدكتور العظيم عبدالحفيظ الكناني والتي شرفها الأنيق المدير هشام التهامي والأثير صلاح كشة والفخيم دكتور معتصم هارون قصصت لهم معزة خاصة خالصة للرجل في قلبي..

 

** رأيت اليوم هشام التهامي باكيًا يشهد للرجل بالصلاح والجدية والالتزام وحسن التصرف والحب الفطري للشرق وإنسانه الأصيل مرددًا قصيدة والده الشاعر الضخم والدنا التهامي عبدالله سليمان قصيدة لسان حال ومقال الفقيد الدكتور محمد طاهر ايلا ومحبته العجيبة لأهلنا في الشرق:

دبابوا ما أحيلاها كلاما

يهيج بي الحنان

إلي ديار بها

تاجوج والحسن دواما..

 

** سارع صديقه المقرب مولانا عثمان الشريف نقيب المحامين السودانيين أحد أكثر الناس معرفة وثيقة بفضله ورجاحة عقله وصدقه وتجرده لنعيه بكلمات صادقات دامعات باكيات جاء في بعض من معانيها:

 

** ترك إيلا بصمة لا تمحى في الإدارة الحكومية حيث كان يؤمن بأن الإصلاح يبدأ من الميدان لا من المكاتب فهو من القادة القلائل الذين جمعوا بين الحزم والرؤية وبين الطموح والانجاز الواقعي الكبير..

 

** ولأهمية وعظمة ما قال به مولانا العالم عثمان الشريف سأقوم بحول الله بنشره في مقالتي مساء الغد باذن الله..

 

** أختم بذات ما دعى له به مولانا عثمان الشريف اليوم:

((اللهم رب السموات والأرض الغفور الرحيم أن أخانا محمد طاهر ايلا جاءك فقيرًا لرحمتك وغفرانك وعفوك وأنت غني عن عذابه فتقبله عندك في الصالحين وأرزقه جوار الحبيب رسولنا صلى الله عليه وسلم وآجرنا وأسرته وأحباءه في مصيبتنا وإنا لله وإنا إليه راجعون..

 

** حزن مقيم وفقد عظيم وعلى مثله فلتبك البواكي وتندب …إنا لله وإنا إليه راجعون..

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.