ميليشيا الدعم السريع،، الانتقام الدموي..
وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بـ"القوات السيئة"،،
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ميليشيا الدعم السريع بالقوات السيئة، وقال غوتيريش في تصريحات بثتها قناة العربية إن السلوك الذي أظهرته قوات الدعم السريع، يعكس بوضوح ارتكابها جرائم خطيرة في السودان، مؤكداً أن الحرب في السودان فظيعة، وأن استمرار العنف يمثل فضيحة لكل من يقاتل هناك، ولكل من يمد الأطراف المتحاربة بالأسلحة، داعياً إلى ممارسة ضغط حقيقي لإنهاء القتال بشكل عاجل.
الجنجويد يبعثون برسالة عنف للمجتمع الدولي، بقصف مقر الأمم المتحدة في كادقلي..
قصف انتقامي:
وفي أول ردة فعل على التصريحات غير المسبوقة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قامت ميليشيا الدعم السريع باستهداف مباشر لمقر الأمم المتحدة في مدينة كادقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان، في هجوم أسفر عن مقتل ستة من العاملين البنغلاديش التابعين للمنظمة الدولية، ووفقاً لمراقبين فإن هذا التصعيد الخطير يؤكد طبيعة السلوك الشنيع والشائن الذي ظلت تُظهره هذه الميليشيا التي بعثت من خلال استهدافها مقراً أممياً محايداً، رسالة عنف مباشرة إلى المجتمع الدولي تهدف بها إسكات أي توصيف قانوني أو أخلاقي يضع هذه الميليشيا في خانة المساءلة الدولية.
توصيف واحتمالات:
والواقع أن توصيف الأمين العام للأمم المتحدة لميليشيا الدعم السريع بـالقوات السيئة، يحمل وبإجماع محللين دلالات سياسية وقانونية عميقة، إذ يُعد من أشد التوصيفات التي يمكن أن تصدر عن رأس المنظمة الدولية، ويعكس قناعة أممية بأن ما يجري في السودان تجاوز توصيف النزاع الداخلي إلى مستوى الفظائع الجسيمة والانتهاكات الممنهجة للقانون الدولي الإنساني، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن هذا التوصيف يفتح الباب أمام خطوات تصعيدية محتملة، تشمل إدانة رسمية واضحة عبر بيانات أو قرارات أممية، وتدفع باتجاه فتح تحقيقات دولية مستقلة تُفرض بموجبها عقوبات فردية أو جماعية، أو حتى التوصية بتصنيف الكيان المسلح كجماعة إرهابية أو خارجة عن القانون الدولي، بيد أن هذه الخطوات تظل مرهونة بإرادة سياسية داخل مجلس الأمن، حيث تتداخل المصالح الدولية مع اعتبارات العدالة وحماية المدنيين.
استمرار الصمت الأممي إزاء جرائم الميليشيا، يثير أسئلةً ملحّة ومنطقية..
أسئلة مُلحِّة:
وبحسب مسؤولين سودانيين فإن استمرار الصمت الدولي والأممي إزاء جرائم ميليشيا الدعم السريع، يثير جملة من الأسئلة المنطقية الملحّة مفاهدها: لماذا لم تُصنَّف هذه الميليشيا حتى الآن جماعةً إرهابية رغم سجلها الحافل بالمجازر والانتهاكات؟، ما الذي يمنع الأمم المتحدة من التعامل مع ميليشيا الدعم السريع بذات المعايير التي تعاملت بها مع حركات مسلحة مماثلة في أفريقيا، مثل حركة الشباب الصومالية أو جماعة بوكو حرام النيجيرية؟، هل تخضع القرارات الأممية لاعتبارات النفوذ والدعم الإقليمي والدولي أكثر من خضوعها لحقائق الميدان ودماء المدنيين؟ وبعيداً عن الأمم المتحدة، تتجه الأنظار إلى الاتحاد الأفريقي، بوصفه الجهة الإقليمية المسؤولة عن حفظ السلم والأمن في القارة، وسط تساؤلات عن دوره الغائب في مواجهة ميليشيا متمردة وإرهابية، باتت تهدد الاستقرار الإقليمي وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق الأفريقية والدولية.
هل يفتح توصيف “غوتيريش” الباب أمام خطوات تصعيدية محتملة ضد الميليشيا؟..
مسؤولية مضاعفة:
ويرى السفير نادر فتح العليم، الخبير في العلاقات الدولية وفض النزاعات، أن على الأمم المتحدة مسؤولية مضاعفة في حماية جنودها وموظفيها، خاصة في الدول التي تتعرض لحروب داخلية وتعاني شعوبها من عنف الميليشيات، ووصف فتح العليم في إفادته للكرامة استهداف مقر المنظمة الأممية في كادقلي بالجريمة مكتملة الأركان، مبيناً أن مقار الأمم المتحدة تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي العام، واتفاقيات الأمم المتحدة، واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م، مؤكداً أن هذه المقار تُعد ذات قدسية استثنائية في مناطق النزاعات المسلحة، وذهب السفير فتح العليم أبعد من ذلك منتقداً تصريحات الأمين العام الأخيرة، وقال إنها جاءت “خارج السياق الدولي السائد”، مبيناً أن الهجوم على مقار الأمم المتحدة يحمل رسائل “تأديبية” لكل من يحاول الخروج عن الصياغات السياسية التي تتجاهل توصيف ما يجري في السودان باعتباره إرهاباً منظماً، داعياً الأمين العام، وإكراماً لدماء أفراد بعثته وحفاظاً على هيبة المنظمة الدولية، إلى تقديم مشروع قرار واضح يدين ميليشيا الدعم السريع ويصنفها جماعة إرهابية خارجة عن القانون، بما يسهم في وقف أي دعم خارجي لها، ويحمي ما تبقى من المدنيين والشهود على الأرض.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ، فإن حادثة قصف مقر الأمم المتحدة في كادقلي، تكشف عن لحظة فارقة في الحرب السودانية، حيث لم تعد الميليشيات تكتفي بارتكاب الجرائم بحق المدنيين، بل باتت تستهدف الرمز الأعلى للنظام الدولي ذاته، وما بين توصيف أممي متقدم وخطوات عملية مترددة، تتسع فجوة الثقة بين الشعوب التي تكتوي بنار النزاعات، وبين المنظمة الدولية، ليطلَّ السؤال الجوهري برأسه: هل تكتفي الأمم المتحدة بالإدانة اللفظية؟، أم تنتقل إلى الفعل الحاسم الذي يعيد الاعتبار للقانون الدولي، ويحمي المدنيين، ويضع حداً لتمدد الميليشيا المنتهكة لكل القيم الإنسانية.
* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)