سودانيون

راشد همت…. يكتب…منجم هويد: … حين تبتلع الأرض أبناءها بصمت

راشد همت…. يكتب…منجم هويد: … حين تبتلع الأرض أبناءها بصمت

 

في بلدٍ أنهكته الحروب وتنازعته الأزمات، تتكرر المآسي على نحوٍ لا يتيح للناس وقتًا للحزن أو حتى التأمل في هول الفقد. مأساة جديدة سُجِّلت في سجلّ الحزن السوداني، حين لفظ منجم “هويد” بولاية زهاء خمسين روحًا بريئة، دفنهم باطن الأرض وهم يبحثون عن لقمة عيش كريمة. لم يودّعهم أحد، ولم يعرف الكثيرون أسماءهم، لكنهم اختاروا النزول إلى الأرض بأملٍ، فعادوا منها بلا حياة.

لم يكن أولئك الضحايا طامعين ولا مغامرين، بل من أبناء السودان البسطاء، قادتهم الحاجة إلى أعماق الأرض، في رحلة لا يحكمها أمان ولا قانون. حملوا المعاول بأيدٍ أكلها الجفاف، ونزلوا في أعماق الصخر يحلمون برغيفٍ يسدّ رمقهم، وبيتٍ يؤوي أبناءهم، وأملٍ يبدّد عتمة الواقع. لكنهم لم يعودوا. ابتلعتهم الرمال في صمت، نتيجة مباشرة لغياب الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة: لا وسائل أمان، لا إشراف، لا متابعة، لا دولة تحميهم ولا قانون يردع من استباح أرواحهم.

*الإهمال الذي يقتل بلا صوت* ما حدث في “هويد” ليس حادثًا معزولًا، بل هو امتداد لسلسلة من الكوارث التي تضرب قطاع التعدين الأهلي في السودان. قطاعٌ يفتقر إلى أدنى معايير السلامة، يعمل في فوضى مفتوحة، تحت وطأة الإهمال والجشع وتغوّل المستثمرين.

في مناجم مثل “هويد”، ينزل الناس كل يوم في باطن الأرض وكأنهم يدخلون مقبرة مفتوحة. لا طوارئ، لا معدات إنقاذ، لا رقابة. أرواحهم رخيصة في عيون من يربح من تعبهم، وصمتُ الدولة أقسى من انهيار الصخور.

أين وزارة المعادن؟ أين القوانين التي تحمي الأرواح قبل الذهب؟ أين العدالة التي تقتص ؟

*خاتمة: لا كرامة لأرضٍ تُدفن فيها الكرامة*

رحم الله ضحايا منجم “هويد”، وألهم ذويهم الصبر والسلوان. لكن الرحمة لا تكفي، ولا العزاء وحده يطوي الفاجعة. ما حدث يجب أن يكون نقطة تحوّل، ونداء ضمير.

يجب أن تتحرّك الدولة فورًا لإعادة تنظيم قطاع التعدين الأهلي، وأن تُحاسب كل من قصّر أو استغل أو استباح حياة الناس.

يجب أن يُعترف بشرعية مطالب البسطاء في بيئة آمنة، في عملٍ لا يقودهم إلى الهلاك.

البلد الذي لا يحمي بسطاءه، ولا يقدّر أرواح عامليه، لا يمكن أن ينهض. الذهب لا يُعادل حياة إنسان، والثروة التي تُبنى على جثث الناس ليست تنمية، بل خيانة للأرض والضمير.

في هذا البلد، لا نريد أن نُدفن من أجل أن نأكل، بل أن نعيش بكرامة فوق الأرض، لا تحتها.

وحسبنا الله ونعم الوكيل

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.