معسكر لتدريب المرتزقة،، الحرب بالوكالة..
موَّلته الإمارات، وسمحت إثيوبيا بإقامته على أراضيها،،
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
في خطوة تُعد الأخطر منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023م، كشفت مصادر موثوقة عن سماح السلطات الإثيوبية بإنشاء معسكر عسكري ضخم بتمويل إماراتي في إقليم “بني شنقول– قُمز”، المتاخم للحدود السودانية، ووفقاً للمصادر فإن الحكومة الأثيوبية بقيادة آبي أحمد تلتزم الصمت حيال ما يجري في هذا المعسكر الذي أُنشى خصيصاً لتدريب عناصر من ميليشيا الدعم السريع ومرتزقة أجانب، وتأتي الخطوة تمهيداً للدفع بهؤلاء المقاتلين إلى أتون الحرب في السودان، الأمر الذي يطرح علامات استفهام واسعة حول دور أديس أبابا في تأجيج نيران الحرب في السودان وإطالة أمدها.
يستوعب أكثر من 10 ألاف مقاتل، بإشراف الجنرال الأثيوبي “غيتاتشو غودينا”..
10 آلاف مقاتل:
ووفقاً للمصادر فإن المعسكر الأثيوبي يستوعب أكثر من 10ألاف مقاتل، ويشرف عليه الجنرال الأثيوبي “غيتاتشو غودينا” بتنسيق مباشر مع ضباط إماراتيين، وأن العناصر الأجنبية المتدربة تشمل مرتزقة من جنوب السودان، وآخرين من دول بأمريكا اللاتينية أبرزهم مقاتلون كولومبيون، بالإضافة إلى عناصر من ميليشيا الدعم السريع كانوا قد فرُّوا من جبهات القتال في السودان، وتصل الإمدادات اللوجستية إلى المعسكر، عبر ميناءي بربرة ومومباسا قبل نقلها إلى داخل إثيوبيا، وتكشف هذه المعطيات أن المعسكر لا يُعد مجرد منشأة تدريب، بل يمثل حلقة جديدة في بناء “مشروع حرب بالوكالة” يستهدف السودان ويعزز استناد ميليشيا الدعم السريع على الدعم الخارجي لبقائها في ساحة القتال بعد سلسلة الهزائم التي تعرضت لها مما أخرجها من العاصمة الخرطوم ومن وسط السودان لتبقى محصورة في بعض الجيوب بكردفان ودارفور.
يعزز استناد الميليشيا المتمردة على الدعم الخارجي لبقائها في ساحة القتال..
تماهي إثيوبي:
ومنذ الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب في السودان، اتسم موقف إثيوبيا بتماهٍ واضح مع ميليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي “تحالف قوى الحرية والتغيير”، وهو ما تجلّى في استضافة مسؤولين من الميليشيا والتحالف خلال قمة الإيقاد المنعقدة في يوليو 2023م، التي انسحب منها الوفد السوداني احتجاجاً على هذا النهج، وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد آنذاك غضب الخرطوم، حين ادّعى أن السودان “يعاني من فراغ في القيادة”، وطالب بفرض منطقة حظر طيران ونزع المدفعية الثقيلة، وهي مواقف اعتبرتها الحكومة السودانية خرقاً للتفاهمات المباشرة التي تمت بين آبي أحمد مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ولم يذب جليد التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا حتى عند زيارة آبي أحمد للسودان لاحقاً ومحاولته التوسط لعقد لقاء بين الرئيس عبد الفتاح البرهان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
تمدد إماراتي واسع:
وبإجماع مراقبين فإن إنشاء المعسكر الجديد في أثيوبيا، يأتي تأكيداً لمبدأ التمدد الإماراتي الواسع حول محيط السودان، كشفت تفاصيله وكالة بلومبيرغ نقلاً عن دبلوماسيين ومسؤولين في أبوظبي، فقد أنشأت الإمارات شبكة لوجستية متكاملة تشمل مستشفيات ميدانية ومهابط طائرات في دول الجوار، لتعزيز دعمها لقوات الدعم السريع وتوسيع نفوذها في القارة الأفريقية، شمل ذلك منح أبوظبي حق الوصول إلى مهابط للطائرات في أفريقيا الوسطى، وإقامة مستشفيات ميدانية على حدود السودان مع كل من تشاد وجنوب السودان، الأمر الذي يوفر مسارات سرية وسريعة لإمداد قوات الدعم السريع بالسلاح والمقاتلين، في إطار صراع نفوذ دولي على واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم، تمتد من القرن الأفريقي إلى الساحل.
الجنرال معاوية: المواقف والتحركات الأثيوبية مساس مباشر بسيادة السودان..
مساس بسيادة السودان:
قال الخبير الاستراتيجي والعسكري، الجنرال دكتور معاوية علي عوض الله، إن السودان ظل ينظر بعين الريبة والشك إلى المواقف والتحركات الأثيوبية التي يعتبرها مساساً مباشراً بسيادة السودان، واصطفافاً إلى جانب طرف يعمل على تفكيك الدولة السودانية بالقوة المسلحة، وأكد في إفادته للكرامة أن استمرار إثيوبيا في التماهي مع الإمارات وفتح أراضيها لتدريب المرتزقة وميليشيات الدعم السريع يعكس حالة “شراء ذمم” يمارسها نظام أبوظبي على قادة ورؤساء دول أفريقية محيطة بالسودان، مبيناً أن هذه المواقف المخزية ستنعكس سلباً على استقرار الإقليم بأكمله، لأن تداعيات الحرب في السودان ستطال كل المنطقة، مشدداً على أن استقرار السودان يعني استقرار القرن الأفريقي والساحل، وأكد الجنرال معاوية دانيال أن الحكومة السودانية يجب أن تواصل تحركاتها الدبلوماسية والسياسية التي اثبتت جدواها خاصة عقب المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيا في الفاشر وبارا، وهي تحركات فضحت الدور الإماراتي أمام المجتمع الدولي الذي يمارس اليوم ضغوطاً حقيقية على أبوظبي، وقد تؤتي ثمارها قريباً بإجبارها على التراجع وغسل يديها من دعم ميليشيا آل دقلو الإرهابية.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فإن التطورات الأخيرة بإقامة الإمارات معسكراً لتدريب مقاتلين داخل الأراضي الأثيوبية، يكشف عن تحول خطير في نمط التدخلات الإقليمية والدولية داخل السودان، حيث تنتقل الإمارات من الدعم المالي واللوجستي إلى بناء معسكرات تدريب خارج حدود السودان، في حين توفر الحكومة الأثيوبية الأرض والتسهيلات في سياق تنسيق سياسي متصاعد، وإذا لم يُواجه هذا الواقع بتحرك سوداني وإقليمي ودولي فاعل، فإن الحرب ستدخل مرحلة جديدة أكثر دموية، خاصة مع دخول مرتزقة أجانب وشبكات تسليح عابرة للحدود، فالسودان يقف اليوم أمام لحظة مفصلية تتطلب وحدة في الجبهة الداخلية، وحكمة في إدارة المعركة الدبلوماسية، وإصراراً على حماية سيادة البلاد من مشاريع إقليمية ترى في استمرار الحرب فرصة لتوسيع نفوذها على حساب استقرار المنطقة بأسرها.
نقلاً عن صحيفة (الكرامة)