أسامة عبد الماجد يكتب: لماذا تتهرب الحكومة؟
0 السؤال المطروح أعلاه حول المشاورات الجارية من عدمها – أو ما يمكن تسميته بعملية “جس النبض” أو استكشاف المواقف – بشأن العلاقة مع مليشيا أولاد دقلو الإرهابية المتوحشة.. يظل محاطاً بالغموض. فموقف الحكومة يبدو ضبابياً، حتى البيان الصادر عن مجلس السيادة.. الذي نفى وجود مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع المليشيا في واشنطن.. لم يوضح ما إذا كان وفد عسكري سوداني قد وصل فعلاً إلى العاصمة الأمريكية أم لا!!.. وأضاعت على نفسها فرصة أن تحدد موقفها بشكل قاطع من أي تفاوض.
0 الحكومة ستجد نفسها معزولة عن الشارع إن استمرت في سياسة “الغتغتة”.. بدلاً من الوضوح، الأفضل أن تتحلى بالشجاعة وتسمي الأمور بأسمائها.. مفاوضات، مشاورات، أو غير ذلك. فالمشكلة ليست في المسمى.. بل في غياب الشفافية، حتى لو كان التفاوض مع الإمارات، فإن كاتب السطور يؤمن بضرورة الحوار مع أبوظبي.. شريطة أن تكون الرؤية واضحة والموقف محدداً.
0 يبدو أن الحكومة مترددة وتخشى ردة فعل الشارع.. فقد ذهب الرئيس البرهان إلى القاهرة خصيصاً لمناقشة ملف الرباعية بعد مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في قمة شرم الشيخ حول غزة.. ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، فقد تناول لقاء البرهان والسيسي أهمية الآلية الرباعية.. كإطار للسعي نحو تسوية الأزمة السودانية ووقف الحرب وتحقيق الاستقرار.
0 وقد جاءت تصريحات الرئيسين بمثابة مباركة صريحة لعمل الرباعية.. معربَين عن أملهما في أن يسفر اجتماعها المزمع في واشنطن خلال أكتوبر الجاري عن نتائج ملموسة.. تؤدي إلى وقف الحرب وتسوية الأزمة. لكن بعد استهداف المليشيا لمطار الخرطوم، زاره البرهان وتراجع عن موقفه.
0 ثم اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن “حراك واشنطن”. والسؤال هنا.. هل ستقع الحكومة في الخطأ ذاته مجدداً بإدارة التفاوض عبر طاقم عسكري صرف.. يخلو حتى من ممثلين لجهاز المخابرات أو مسهّلين مدنيين؟ نتذكر أن المليشيا رفضت وجود السفير عمر صديق، بينما ضم وفدها عناصر من الجنجويد يرتدون “كدمول” وآخرين بربطات عنق.
0 السؤال الثاني هل ما تزال الحكومة متمسكة ببنود منبر جدة التي تجاوز الزمن بعضها؟.. والسؤال الثالث: هل ما تزال تخلط بين المليشيا المسلحة والجنجويد المدنيين مثل حمدوك وسلك والتعايشي؟
يمكن للحكومة أن تجري مشاورات أو لقاءات غير رسمية.. لا ضير من ذلك لكن الأهم هو وضوح الرؤية والموقف كما أسلفت.. خذوا مثلاً الموقف الروسي من التفاوض مع أوكرانيا عقب قمة ألاسكا في أغسطس الماضي بين بوتين وترمب.
0 خرج الرئيس الروسي للإعلام وأكد أن “الحل في أوكرانيا يجب أن يكون مستداماً ويأخذ في الاعتبار مخاوف روسيا الأمنية”.. وقصد بوتين بذلك، كما هو معلوم، عدم انضمام كييف إلى حلف الناتو.. أما ترمب فقال إنهما تفاوضا حول نقاط تشمل الناتو والتدابير الأمنية وتبادل الأراضي – والمقصود بها تنازل أوكرانيا عن إقليم دونباس.. وكان هناك قدر كبير من الشفافية بشأن المشاركين من الجانبين.
0 وهناك نقطة مهمة نودعها في بريد البرهان.. وهي أن ترمب صرح قبل القمة، وهو على متن طائرة الرئاسة المتجهة إلى ألاسكا.. بأنه يريد “وقفاً سريعاً لإطلاق النار في أوكرانيا”، وهو ما لم يتحقق في مشهد يعكس الرغبة الأمريكية التقليدية في التعجيل بإنهاء الحروب “بمزاجهم”.. وكان من المفترض عقد قمة ثانية بين الرئيسين لكن واشنطن فاجأت موسكو أمس الأول بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على أكبر شركتين نفطيتين روسيتين.. ثم أعلن ترمب تأجيل لقائه مع بوتين الذي كان مقرراً في المجر.
0 لم يصمت الرئيس الروسي، ولم يترك الساحة لصحفيين يدعون قربهم منه.. أو آخرين يحاولون الادعاء أنهم أبطال المعركة الروسية الأوكرانية.. ولولا كتاباتهم ما تحقق الانتصار.. وكذلك قطع الطريق أمام “قونات القروبات”.. بل خرج بنفسه ليؤكد أن العقوبات “لن تؤثر بشكل كبير على صحة الاقتصاد الروسي”.. وأضاف أن هذه العقوبات “خطوة غير ودية ولا تعزز العلاقات الروسية – الأمريكية التي بدأت تتعافى للتو”، معتبراً إياها محاولة للضغط على بلاده.
0 ثم بعث برسالة بالغة الأهمية إلى العالم كله، وكأنه يوجهها إلى السودان تحديداً حين قال: “لا يوجد بلد محترم يفعل شيئاً تحت ضغط.”.. أما وزير الخارجية سيرغي لافروف فقد أكد بوضوح تمسك بلاده بمخرجات قمة ألاسكا.. مشيراً إلى أنه لم يطرأ جديد على الموقف الروسي.. لقد قدم الروس درساً بليغاً في فن التفاوض وإدارة الأزمات.. براعة في سد الثغرات، ودقة في التصويب نحو الأهداف، وحسم “القيل والقال” مع التمسك بالثوابت الوطنية.. وعدم التفريط في السيادة، رغم العقوبات التي طالت حتى الرئيس بوتين نفسه.. وعلى القيادة السودانية أن تدرك أنه لا جريمة تركتها المليشيا الإجرامية دون ارتكابها بحق الشعب السوداني.
0 ومهما يكن من أمر.. على الرئيس البرهان أن يقرأ المشهد جيداً.. وإلا فسيقرأه غيره!!.
الجمعة 24 اكتوبر 2025
osaamaaa440@gmail.com