تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
أثار المؤتمر الصحفي الذي عقده مني أركو مناوي، رئيس اللجنة السياسية بالكتلة الديمقراطية، ورئيس حركة جيش تحرير السودان، وحاكم إقليم دارفور، ردود أفعال واسعة على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي أدارات حوارات ونقاشات ساخنة حول بعض القضايا التي تناولها مناوي في معرض إجاباته على أسئلة الصحفيين، حيث أثنى الكثيرون على المكر والدهاء السياسي، الذي مارسه الرجل، ومهارته في المناورة، والتي استطاع بها الإفلات من قبضة الأسئلة المحرجة، متفادياً بذكاء يُحسد عليه الوقوع في فخ الإجابات المباشرة التي قد تُستخدم لاحقاً ضده أو تُفسَّر خارج سياقها، فلجأ مناوي إلى لغة مرنة، وعبارات محسوبة، بعث من خلالها رسائل مشفرة إلى خصومه ومؤيديه على حد سواء.
مثير للجدل
ووفقاً للكثير من المراقبين فإن مني أركو مناوي، يعتبر واحداً من السياسيين السودانيين المثيرين للجدل عطفاً على مواقفه وجاذبيته السياسية التي استطاع من خلالها أن يترك أثراً واضحاً في المشهد السوداني، حيث يظل الرجل بحضوره الطاغي في المشهد السياسي، رقماً صعباً في معادلات الحرب والسلام، وصاحب بصمة يصعب تجاوزها مهما تباينت حوله الآراء، فمناوي لم يأتِ من فراغ، بل دخل معترك العمل السياسي والعسكري في سنوات شبابه الأولى، ولم ينتظر أن تمنّ عليه السلطة أو توزعه الأقدار على المواقع، بل شقَّ طريقه بثبات، مسلحاً برؤية واضحة لما يريد، ووعي مبكر بمألات الصراع في السودان، خصوصاً في الهامش الذي ينتمي إليه، ورغم أنه ما يزال في عمر سياسي يُعتبر “شاباً” مقارنة بالكثير من أقرانه في الساحة السودانية، إلا أن مناوي امتلك منذ وقت مبكر وعياً سياسياً لافتاً جعله يعرف بدقة أين يقف؟، وما الذي يسعى إليه؟، ومن هم حلفاؤه وخصومه الحقيقيون؟.
يمتلك وعياً سياسياً جعل منه رقماً صعباً في معادلة الحرب والسلام..
مزاوجة ذكية
ومناوي واحد من القادة الميدانيين والسياسيين القلائل الذين نجحوا في المزاوجة بين الواقعية السياسية والبأس العسكري، فكان صوته صوت العقل حين اختلطت المواقف، وجعل ” كلاشه” مع البنادق حين دقت طبول الحرب وحُفرت الخنادق، فالرجل الذي ظل حاضراً على المسرح السياسي والعسكري منذ اندلاع أزمة دارفور مطلع الألفية، قدّم نفسه مجدداً كأحد أركان معركة الكرامة الوطنية ضد ميليشيا الدعم السريع، فحين قرر مناوي مغادرة مربع الحياد والانضمام إلى محور الدفاع عن الدولة عبر القوات المشتركة التي تقاتل اليوم إلى جانب القوات المسلحة، إنما فعل ذلك لرفضه نهج التمرد والانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق المواطنين في دارفور وفي كثير من مناطق السودان المختلفة، ولقناعته أن الحرب الجارية في السودان ليست معركة نفوذ بين مكونات مسلحة، بل صراع وجود بين مشروع وطني يحاول صيانة الدولة من الانهيار، وميليشيا تتغذى على الخراب وتمضي بأجندات خارجية لتفكيك السودان من الداخل، ولم يكن هذا الإدراك ناتجاً عن ردة فعل آنية، بل عن قراءة معمقة لمألات الحرب، ومحاولة جادة للحفاظ على ما تبقى من الدولة السودانية.
غادر مربع الحياد لرفضه انتهاكات الميليشيا في حق المواطنين الأبرياء..
ثمرة التخلي عن الحياد
لقد كانت القوات المشتركة التي تنتمي إلى حركات الكفاح المسلح بدارفور واحدة من الإشراقات المضيئة لتخلي كُلٍّ من مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، ودكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة السودانية عن الحياد، ويقول الخبير الإذاعي والكاتب الصحفي دكتور عبد العظيم عوض إن قدر هذه القوات المشتركة أنها كانت تقاتل ميليشيا الدعم السريع عندما كانت الميليشيا في خانة الداعم للحكومة، وعندما تمردت ميليشيا الدعم السريع ضد الدولة، كانت القوات المشتركة لها بالمرصاد، في واحدة من المفارقات العجيبة في السياسة السودانية، وأكد دكتور عبد العظيم عوض في إفادته للكرامة على الدور الوطني للقوات المشتركة في حرب الكرامة الوطنية وخروجها من العباءة القبلية إلى الرداء القومي، منوهاً إلى مواقفها القوية وبسالتها التي أظهرتها في مختلف محاور وجبهات القتال في السودان سواءً في ولاية الجزيرة، أو سنار، أو الخرطوم، هذا فضلاً عن الصمود القوي في خندق واحد مع الفرقة السادسة مشاة بالفاشر ضد ميليشيا الدعم السريع وتصديها لأكثر من مئتين من الهجمات المتكررة، وتكبيد المتمردين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وطالب دكتور عبد العظيم عوض القوات المشتركة بضرورة الاتفاق لتكون على قلب رجل واحد، مبدياً قلقه من بعض التسريبات التي ارتبطت باجتماعات خاصة بالقوات المشتركة، هذا فضلاً عن تصريحات بعض قادتها التي تثير غباراً كثيفاً، وتدعو للقلق في بعض الأحيانـ على شاكلة بعض تصريحات القائد مني أركو مناوي.
بعث برسائل مشفَّرة إلى خصومه ومؤيديه على حدٍّ سواء ..
خاتمة مهمة
على كُلٍّ، وعلى الرغم مما يثار حول مني أركو مناوي، وما يتعرض له من انتقادات وصلت حد الشيطنة والاستهداف، ومحاولة قتل شخصيته، خاصة في خضم الفوضى التي خلقتها الحرب، إلا أن قرائن الأحوال تؤكد أن الرجل قائدٌ حقيقي، يتقن لغة الميدان، ودهاليز السياسة، لم يتردد في اتخاذ الموقف الصحيح، ولو تأخر زمنياً، ولم يساوم على وحدة السودان، رغم ما تعرض له من ضغوط داخلية وخارجية، ليبقى واحداً من الأعمدة الوطنية التي تستحق التقدير في زمن تتداخل فيه الحسابات، وتضيع فيه البوصلة عند الكثيرين من أصحاب الأجندات.
* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)