زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
نورسين.. الوجه المشرق للمحتوى السوداني في الخارج
منذ ما يقارب العشر سنوات ، توسعت علاقتي بالإعلام الجديد ، لا سيما منصات التواصل الاجتماعي ، تلك التي تحولت خلال سنوات قليلة إلى فضاءات مكتظة بالمؤثرين والمؤثرات ، من مختلف الجنسيات والمستويات ، وخلال هذه السنوات ، لفت نظري الحضور السوداني المتفاوت ، من حيث النوع والهدف ، داخل هذه المنصات.
لقد كان من الجميل أن أجد من بين أبناء وبنات السودان من يسعى لتقديم محتوى هادف ، يحمل رسالة ، ويبني الوعي ، غير أن هؤلاء رغم تميزهم قلة ، في مقابل طوفان من المحتوى السوداني الذي لا يمتّ لقيمنا السودانية ولا لأخلاقنا بأي صلة.
وهنا تبرز ظاهرة مؤسفة ، خاصة من بعض السودانيين والسودانيات المقيمين بالخارج ، والذين انجرفوا في سباق محموم نحو الشهرة والربح السريع ، على حساب المضمون والمظهر ، لا سيما فئة من صانعات المحتوى اللائي لجأن إلى استغلال الجسد ، والعري ، والتعابير الخارجة عن الحياء العام ، والمشي بين الناس بالفتنة كتتبع أسرار الأسر ونشرها ، كوسيلة جاذبة لرفع نسبة المشاهدات وتحقيق الأرباح ، دون أي اعتبار لصورة السودان أو لهوية المرأة السودانية.
انتشرت نماذج لم تُحسن تقديم نفسها ولا بلدها ، فباتت المقاطع المروجة تشمل من تنفث دخان الشيشة وكأنها إنجاز ، ومن تتناول المسكرات والمخدرات بفخر ، أو من تظهر بملابس لا تليق لا بالمجتمع ولا بالقيم ، ومن يظهر أو يظهرن في اللايفات بملابس النوم أو الملابس الداخلية ، يظنون أن الشهرة تُصنع بانتهاك الحدود وكسر الثوابت.
وللأسف هناك صُناع محتوى معروفون للجميع ، يشتغلون على أنفسهم في الميديا فقط من أجل الثراء ، لا من أجل التأثير ولا الرسالة ، ورغم حجم جمهورهم الكبير ، فإن أسماءهم تثير الاشمئزاز في المجالس والصفحات ، ولأسباب أخلاقية أمتنع عن ذكرهم حتى لا نقع في باب التشهير ، غير أن المقارنة بينهم وبين أمثال نورسين ، تجعل الفارق كبيراً ، فهم رغم ضجيجهم لا يحصدون سوى النفور ، بينما هي تحصد التقدير والاحترام في الواقع والمواقع الإسفيرية على حد سواء.
لكن وحتى لا نظلم الجميع ، هناك بارقة أمل تتلألأ من بعيد ، ونماذج تستحق أن تُرفع لها القبعات ، لأنها اختارت الطريق الأصعب طريق القيم ، والهوية ، والإبداع المتزن ، ومن بين هذه النماذج ، تبرز تجربة الشابة السودانية نورسين ، التي تقدم محتوى راقٍ ومؤثر ، دون أن تتخلى عن وقارها ولا عن انتمائها.
نورسين شابة سودانية مهاجرة ، استطاعت أن تلفت الأنظار دون أن تثير الجدل ، وأن تجمع آلاف المتابعين دون أن تبيع مبادئها ، وأن تكون مرآة جميلة تعكس السودان الحقيقي السودان الأنيق في مظهره ، العميق في ثقافته ، الغني في عاداته ، ملابسها سودانية ، ومحتواها يربط المتابعين بجذورهم ، ويعرف الآخرين بجمال الشخصية السودانية ، وفي كل ما تعرضه ، تحرص على مراعاة الدين والاذواق العامة للجمهور، وتحافظ على الاتزان الذي أصبح عملة نادرة في سوق الميديا اليوم.
وعلى العكس تماماً من تلك الفئة التي ترى أن طريق النجاح يمر عبر التمرد على الدين والانحراف عن الذوق والقيم ، برهنت نورسين أن الالتزام ليس عبئاً بل هو قوة ، فقد قدمت للعالم نموذجاً فريداً يؤكد أن العلاقة مع الله ، واحترام النفس ، والظهور بما يرضي الخالق ، لا يمنع من التأثير ولا من الانتشار ، بل هو سرّ البركة والقبول الحقيقي.
إن تجربتها تقول لكل فتاة سودانية ( ولكل من أراد أن يكون مؤثراً ) لستِ بحاجة لكسر ثوابتك لتصعدي ، ولا للتخلي عن حيائك لتُشاهدي ، ولا للتماهي مع القبح لتُصدّقي ، طريقك إلى النجاح يبدأ من حيث تبدأ علاقتك بالله.
يُحكى أن رجلاً جاء إليه حفيده ليبشره بأن فلان في الطريق إليهم ، وكان لهذا الاسم تطابق مع آخر سيء السيرة ، فقال له الجد”تجيهو الجات في حبوبتي، دا كان مات كان الناس أرتاحت من سيرتو.” فقال الحفيد لجده “يا جدي ، إنت قايلو أحمد ود الزين ياتو؟”
فأجاب الجد “ما ياهو الحرامي السكير؟”
قال له الحفيد مبتسماً لا لا ، إنت لخبطت ، دا أحمد ود الزين الفكي.” فانفرجت وتهللت أسارير الجد وقال “أحمد حبابو ، النصيح تيرابو، كان زرعوهو في الحجار بقوم خدار!”
الحكاية اعلاه تختصر المسألة كلها في ان الناس تميل بفطرتها للخير ، وتحترم الصالح وتلفظ الطالح ، ولو تشابهت الأسماء.
تجربة نورسين ليست مجرد حالة فردية ، بل هي دعوة مفتوحة لكل السودانيين بالخارج ، يمكنكم تقديم السودان للعالم في أجمل صوره ، دون أن تتنازلوا عن القيم التي تربيتم عليها ، فالمحتوى الهادف لا يزال يملك جمهوره ، والجمال الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين بل بصدق الرسالة…لنا عودة.