عمار العركي يكتب.. خبر وتحليل: البرهان في دنقلا بين الناس… ومستشاروه عند أشرف في القاهرة!
خبر وتحليل
عمار العركي
البرهان في دنقلا بين الناس… ومستشاروه عند أشرف في القاهرة!
* بكامل الهدوء وبمباركة رسمية، زار وفد من السفارة السودانية في القاهرة الصحفي أشرف عبد العزيز، بتوجيه مباشر من الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للاطمئنان على حالته الصحية.
الزيارة، كما ورد في الخبر الرسمي، جاءت لتعبّر عن “اللفتة الإنسانية” و”الوقوف مع الإعلاميين والمبدعين”.
* لكن… أي إنسانية هذه، التي تنتقي أصحاب الحظوة والميول، وتتغاضى عن آلام آلاف السودانيين المطحونين في مصر، جرحى وشيوخًا ونساءً وأطفالًا؟!
* أشرف عبد العزيز، رئيس تحرير صحيفة الجريدة، لم يكن يومًا مجرد صحفي عادي. بل كان واحدًا من أوائل من بشّروا بالحرب علنًا، حين اختزل الأزمة السياسية في معادلة خبيثة: “*إما التوقيع على الاتفاق الإطاري، أو الحرب* !”
* وقد جاءت الحرب فعلًا، وحين اشتعلت، لم يكن أشرف في الصفوف الأمامية، بل غادر إلى القاهرة تاركًا خلفه وطنًا يحترق، ومدنًا تتساقط، وجنودًا يُستشهدون، وأسرًا تفقد أبناءها.
* واليوم، يُرسل إليه مبعوث رسمي، ويُطمأن على صحته، وتُرفع تقارير عن علاجه إلى أعلى المستويات! لكن في ذات القاهرة التي تحتضنه، هناك مئات من جرحى الكرامة، رجال صدقوا ما عاهدوا عليه الوطن، يتلقون العلاج على نفقتهم أو عبر اسهامات وتبرعات بسيطة لا تفي… وهناك آلاف المواطنين، من النساء والأطفال وكبار السن، يبيتون على أرصفة الإسكندرية بعد أن تم الاحتيال عليهم وسُرق حلم عودتهم، فلا سقف يسترهم، ولا سفارة تحميهم، ولا مسؤول يلتفت إليهم، ولا مستشار يعودهم.
* فأين كانت هذه “اللفتة الكريمة” حين تعلق الأمر بالجنود الذين دافعوا عن السودان؟ أين كانت الدولة التي يُقال إنها تقف مع الإعلاميين، حين تعلق الأمر بمُهجّري العاصمة، والنازحين، وضحايا القصف والمليشيات؟ أين المستشارين ؟ أين العقيد علاء الدين الشريف والمقدم عبدالباقي الطيب، من زيارة معسكرات الجرحى؟ أو من جلسة إنسانية مع أمهات الشهداء في شوارع القاهرة المكتظة بأنين المعذبين؟!
* *الإنسانية لا تتجزأ* . ولا يمكن أن تُستخدم لتبييض صفحات من تلطخت أقلامهم بالتحريض، ومهّدوا للمليشيا طريق الخراب، ثم فرّوا حين وصل الحريق إلى بيوت الناس.
* نعم، لا نشمت في المرض، ونتمنى الشفاء لكل إنسان، ولكن لا يمكن أن نقبل بهذا الكيل بمكيالين: فبينما يُكرّم المحرّض، يُهان المناضل. وبينما تُرفع التقارير الطبية لـ”بوق الحرب”، يُترك من دافعوا عن البلاد ليعالجوا أنفسهم أو يُذلّوا على بوابات المستشفيات.
* وبينما كان القائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان *يشق طريقه بين جموع أهله في دنقلا، على الأرض، بلا مواكب ولا بهرجة، من مسافة صفر،* في مشهد لا يستطيع أي رئيس في العالم – حرفيًا – تقليده أو محاكاته،ث، كان بعض مستشاريه ومبعوثيه يتنقلون في مشافي القاهرة… لا لزيارة جريح من جرحى معركة الكرامة، ولا لأم شهيد من شهداء الوطن، بل ليطمئنوا على “الصحة” الإعلامية لأشرف عبد العزيز!
* البرهان في دنقلا يُخاطب الناس بملامح وجهه قبل لسانه، يتقاطع جسده مع عرقهم وهمّهم، ويحتك كتفه بكتف من قاتلوا وناصروه، في عاصمة صامدة رغم المعاناة. بينما علاء الدين الشريف ومن معه يضعون أيديهم على أيدي أحد رموز الفتنة، رجل قال بكل صفاقة يومًا: “إما الإطاري، أو الحرب!”… فكانت الحرب، وهرب هو منها، ثم ها هو اليوم يُكرّم وتُرفع تقاريره إلى القائد العام ذاته الذي قاتل لينجو الوطن من تلك الكارثة.
* *شتّان بين المشهدين:* مشهد شعبي صادق يُجسد الالتحام الحقيقي بين القيادة والناس، ومشهد سياسي رمزي بائس، يُجسّد كيف أن بعض الحاشية تعيش في أوهام “التكريم لمن خان”، بينما يتجاهلون صوت الشارع، ورمز الكرامة، وجرحى الحقيقة.
* *فهل يعلم البرهان ماذا يُفعل باسمه؟ وهل هذه الزيارة برغبة البرهان حقًا… أم برغبة من يحاولون تزييف المشهد باسم “اللفتات الكريمة”؟*