عمار العركي…. يكتب.. دبلوماسية خارج السياق: مؤتمر إعلامي في القاهرة وأسئلة في التوقيت والمكان والولاية
عمار العركي…. يكتب.. دبلوماسية خارج السياق: مؤتمر إعلامي في القاهرة وأسئلة في التوقيت والمكان والولاية
*في سياق التعقيدات الراهنة التي تمر بها الدولة السودانية، ومع اشتداد الحاجة إلى تكامل الأدوار بين الداخل والخارج، تتسع دائرة التوقعات من البعثات الدبلوماسية، خاصة تلك المتمركزة في العواصم المؤثرة والمحيطة. ومن هذا المنظور، تبرز بعض المبادرات التي تستحق التوقف والتأمل، ليس من باب الاعتراض، بل من باب البحث في مدى اتساقها مع أولويات المرحلة ودقة تموضعها في الزمان والمكان والاختصاص المؤسسي.
*من ذلك، إعلان سعادة السفير الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي – سفير السودان بالقاهرة والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية – عن ترتيبات لعقد مؤتمر حول “قضايا الإعلام السوداني”، خلال لقاء إعلامي مع عدد من الصحفيين السودانيين بمقر السفارة بالقاهرة. وقد جاء الإعلان وسط إشادات بدور الإعلاميين في دعم معركة الكرامة، وإبراز جهود السفارة في رعاية عدد من المبادرات المجتمعية، من بينها “مبادرة سيدات السفارة”، و”أكثر من مائة مبادرة إنسانية” تتصل بالوجود السوداني في مصر، وبدعم بعض مناطق السودان، بما في ذلك الفاشر.
*وبعيدًا عن النوايا، فإن هذه الخطوة تفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول مدى مواءمتها لاحتياجات المرحلة، ومدى اتساقها مع الترتيب المؤسسي المسؤول عن هذا الملف الحيوي. فهل بالفعل يُعدّ عقد مؤتمر حول “قضايا الإعلام السوداني” أولوية ملحّة في هذه اللحظة الوطنية المعقدة؟ وهل مصر – وليس السودان – هي المكان الأنسب والواقعي لمناقشة واقع الإعلام الوطني، خاصة وأن معظم الإعلاميين والكوادر والمنصات ما زالوا يمارسون أدوارهم داخل البلاد؟
*هل ضاقت أرض السودان بإعلامها حتى تُبحث قضاياه خارج ترابه الوطني؟ ومن يملك الولاية المؤسسية لعقد مثل هذا المؤتمر؟ هل هي السفارة، أم وزارة الثقافة والإعلام في بورتسودان؟
*ثم، هل الإعلام السوداني المتواجد في القاهرة – رغم أهميته – قادر بمفرده على التعبير عن المشهد بكامله؟ أم أن انعقاد المؤتمر هناك قد يُفقده عمقه الوطني ويجعله أقرب إلى حلقة نخبوية؟
*_تفكيك دلالات التصريحات: خصوصية العنوان واتساع الهدف_*
*ما ورد في تصريحات السفير من إشارات إلى “حشد الدعم للقطاع الاجتماعي”، و”التفاعل مع المؤسسات الإعلامية الإقليمية والدولية”، و”إدارة حوار مع النخب الإعلامية في البلدين”، قد يحمل في ظاهره روح الانفتاح والتعاون، لكنه – عند قراءته في سياق عنوان المؤتمر ومضمونه – يطرح تساؤلًا مهمًا:
إذا كان المؤتمر معنياً بـ”قضايا الإعلام السوداني”، فلماذا يتم إدماجه في أطر حوار إقليمي؟
أليس من الأولى أن يُحافظ المؤتمر على خصوصيته، وأن ينطلق من داخل البلاد، حيث مركز التحديات والمخاطر والفرص؟
*الإعلام السوداني في هذه المرحلة لا يحتاج فقط إلى “إدارة حوار”، بل إلى حلول جذرية تتعلق بالتشريعات، والأجور، وبيئة الممارسة، وحماية الكوادر، واستعادة دور الإعلام الوطني كأداة وعي وتوجيه في زمن حرب وتشظٍّ. وهذه القضايا يصعب بحثها من خارج السودان، أو دون حضور الجهات المعنية مباشرة، وعلى رأسها وزارة الإعلام، والمؤسسات الإعلامية الفاعلة، والنقابات، ومراكز التدريب والمناهج الإعلامية الوطنية.
ضبط التقدير لا يعني نزع الجهد
من المهم التأكيد هنا أن أي جهد دبلوماسي يُبذل لدعم السودان في هذه المرحلة هو جهد مقدّر، خاصة حين يتعلق بالمجتمع السوداني في الخارج. ولكن، في المقابل، فإن ضبط التقدير في اختيار نوع المبادرات، وتحديد الجهة المعنية بها، ومراعاة ظروف التوقيت، يظل عنصراً أساسياً في ضمان فاعلية أي نشاط دبلوماسي.
*خلاصـة القـول ومنتهـاه :*
*لذلك فإن القصد من هذا التناول، ليس تجريح الأدوار أو الانتقاص من الجهود، بل دعوة للتريث، والتنسيق، والتكامل، كي تظل المبادرات الخارجية جزءاً من مشروع وطني متكامل، لا نشاطات معزولة قد تُفهم – ولو دون قصد – كمجالات لاستعراض الجهد أكثر من استهداف الأثر.