ياسر الفادني… يكتب… ما اتعودت أخاف من قبلك…. إلا معاك حسيت بالخوف
هي ليست أغنية فحسب، بل قطعة وجدانية تسري كالماء في عروق القلب، يقول فيها عزمي أحمد خليل: “ما اتعودت أخاف من قبلك، إلا معاك حسيت بالخوف”، فيقلب بهذا المدخل موازين العشق، حيث لا يبدأ الحب هنا بالفرح بل بالخوف، وكأن الحبيب بوابة لشيء أكبر من الفرح… شيء يشبه المصير
ينتمي عزمي أحمد خليل إلى مدرسة شعرية تميل إلى التبسيط العميق، حيث اللغة تبدو في متناول الجميع، لكنها تنطوي على مشاعر شديدة التركيب، يستخدم تراكيب الحياة اليومية، لكنه يصهرها في قوالب مشحونة بالوجد، بالقلق، وبالاعتراف المؤجل، لا يكتب قصيدة غنائية تقليدية، بل ينحت مشهداً، وكل بيت فيها زاوية تصوير لانكسار أو رجفة أو أمل معطوب
الشاعر لا يهادن شعوره، هو واضح في ضعفه، صارخ في حيرته، يجرؤ على أن يقول: “أنا من قبلك ما اتحيرت، وجيت وريتني دروب الحيرة”، وكأنه لا يخجل من أن يكون هشاً أمام الحب، وهذه إحدى تجليات بلاغته: شجاعة الانكشاف، والقدرة على أن يوقظ فينا ما نظنه ضعفاً، لكنه في الحقيقة جوهر الشعور الإنساني
ثم تأتي موسيقى الأغنية، وهي ليست لحناً عادياً بل بناء درامي تتصاعد فيه وتيرة التوتر والتعبير مع كل مقطع، الهادي ود الجبل، الذي يُعرف بقدرته النادرة على “تمثيل” الكلمة غنائياً، لا يغني النص… بل يسكنه، صوته في هذه الأغنية ليس أداءً، بل معايشة، هو لا ينطق الكلمات فقط، بل يحزن حين يحزن الشاعر، ويتهدج حين يضعف، ويُبطئ النغمة في لحظة الحنين العميق حتى يشعر المستمع بأن الأغنية تُقال له شخصياً
الموسيقى المصاحبة ليست مزدحمة، بل بسيطة عمداً، كأنما صيغت لتفسح المجال لهذا النزيف العاطفي الهادئ، لا آلات متغولة تطغى على الإحساس، فقط وتريات خفيفة تمسك بالروح دون أن تخنقها، وإيقاع يمشي على أطراف أصابعه كي لا يُربك النص
الهادي ود الجبل هنا لا يُغني، بل يهمس بجراحه، نبرته محملة بندم ناعم، وشكٍ لا يريد أن يتحول إلى يقين. وعندما يردد: “أخري معاك ما معروف”, فإنها لا تأتي كعبارة ختامية بل كهاجس مفتوح، لا إجابة له ولا قرار فيه… هو مصير يُترك للمستمع أن يتأمله أو يتورط فيه
إني من منصتي استمع ….حيث اعتقد جازما…. أن هذه الأغنية بأكملها لا تدور حول حدث، بل حول شعور يتكرر، يتبدل، ويتجلى في كل مرة بصيغة أعمق، لهذا فإنها لا تُنسى، ولا تكرر نفسها، بل تسكنك في كل مرة بشكل مختلف ، هذه ليست تجربة حب عابرة، بل سجل شعوري متكامل عن الخوف من الفقد، عن الانتظار، عن المعركة الصامتة التي يخوضها العاشق في قلبه وحده، ولا يسمع صداها سواه… إلا حين يُغنيها الهادي ود الجبل