سودانيون

عمار العركي … يكتب… تحـركـات “صمـود”وإقصـــاء الحـركـات : لـمــصلحـــة مـــن؟

عمار العركي … يكتب… تحـركـات “صمـود”وإقصـــاء الحـركـات : لـمــصلحـــة مـــن؟

في خضم انشغال الداخل، وتهافت الأحزاب والمكونات السياسية – رغم أنها عمليًا خارج حسابات التشكيل اللاّحزبي المرتقب – بالسباق نحو اقتسام مقاعد السلطة، برز خطاب إقصائي لافت، *وُجِّه نحو الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاقية جوبا، التي قاتلت وتقاتل جنبًا إلى جنب مع قوات الشعب المسلحة* ، ودفعت أثمانًا سياسية وأمنية في سبيل الحفاظ على وحدة البلاد.

في المقابل، وفي لحظة الارتباك والانقسام السياسي تلك، استغلت “صمود” هذا الواقع وأطلقت تحركات سياسية ودبلوماسية نشطة في الإقليم و الخارج، شملت لقاءً مع الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، ووزير خارجيته، ومحادثات مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وعدد من العواصم المؤثرة ، في محاولة لاعاقة وزارة د. كامل ادريس وحكومته المدنية لصالح مشروع الحُكم الموازي ، ولإعادة تقديم نفسها كواجهة مدنية تبحث عن “السلام”.

مـفـارقــة مريبـــة… تنــخــر مــن الــداخــل_*

المفارقة اللافتة – والمريبة في آن – أن بعض النُخب السياسية والأقلام الإعلامية المحسوبة على معسكر مناصرة الجيش، هي من تتولى – *عن وعي أو غفلة* – شيطنة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، والطعن في أدائها السياسي والعسكري، وخلق رأي سلبي تجاه رئيس الوزراء المدني المُعيّن، كنوع من الضغط كي يتجاوز استحقاقات اتفاق جوبا الذي تم قبل اندلاع الحرب.

*في المقابل، *نجد هذه الأقلام ذاتها تُثني على قوات أخرى تشارك في الحرب، بل وتُضفي عليها طابعًا “نخبويًا” أعلى، في مفارقة تُحدث شرخًا غير معلن داخل الصف الوطني* ، وتعيد إنتاج خطاب الإقصاء الداخلي، في وقت أحوج ما يكون فيه السودان إلى توسيع جبهة الاصطفاف الوطني لا تضييقها.

*والأخطر أن هذا يتم تحت نظر وتراخي الأجهزة المعنية بمكافحة الخطاب الهدّام،* وكأنها عاجزة أو غير مدركة لحجم التأثيرات العميقة لمثل هذا النهج في إضعاف الشرعية السياسية والعسكرية للدولة.

* ومع حساسية التوقيت، وتعقيد المشهد السياسي والدبلوماسي، فإن نفي حسن النية عن هذا التحرك بات أمرًا مشروعًا، خاصة حين يقترن بتقاعس رسمي في ضبط هذه الفوضى الخطابية، وبتزامن مريب مع تحركات “صمود” الخارجية التي تبحث عن فراغات تخترق منها الجدار الوطني.

*_تمــدد “صمــود”… و تـراجـع الصـوت الرسمــي_*

من الواضح أن التحركات الأخيرة لـ”صمود” لم تكن عبثية أو رمزية، بل محسوبة ضمن مشروع سياسي يسعى لإعادة شرعنة المليشيا بوجه مدني. وقد جاءت هذه التحركات عقب تعيين رئيس وزراء مدني بصلاحيات كاملة، في وقت كان يُفترض أن يتم فيه إعادة ضبط البوصلة الدبلوماسية السودانية.

لكن – وكما تقول القاعدة – *”الطبيعة لا تحتمل الفراغ”* . وفي السياسة كما في الجغرافيا، إن لم تُملأ الساحات بالرواية الرسمية والدولة الشرعية، فسيمتلئ الفراغ بخطاب الخصوم. وهكذا تحركت “صمود” بهدوء وبخطاب ناعم نحو جنوب أفريقيا، إثيوبيا، جنوب السودان، الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي.

*وزارة الخارجية السودانية أصدرت بيانًا واضحًا في توقيته ونبرته، أدانت فيه تحركات “صمود* “، ووصفتها بأنها أحد الأذرع السياسية للراعي الإقليمي للمليشيا، لا تملك سندًا شعبيًا، وأسهمت في إفشال كل مساعي الحوار الوطني قبل وبعد الحرب.

*ورغم أهمية هذا البيان، إلا أن ذلك لايكفي* ، فالمعركة انتقلت إلى مجال الدبلوماسية الدولية، حيث بات التراخي أو التردد يتيح للمليشيا أن تتحدث بلسان مدني في عواصم القرار.

_كيـف نـواجـه التمكـين المـزدوج: إقصـاء الحـركات داخليًـا وصعود “صمـود” خـارجيًـا_ ؟*

المشهد المعقّد الذي نعيشه لا يمكن تبسيطه في ثنائية “مع” أو “ضد”، ولا في توزيع الوطنية والشرعية عبر الشعارات. فالواقع يؤكد أن الإقصاء الداخلي للحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق السلام، وشيطنتها إعلاميًا، يخلق فراغًا سياسيًا وأمنيًا، تستثمره “صمود” بذكاء سياسي لتوسيع نفوذها في الخارج.

*ومن ثم، فإن المواجهة الفاعلة تتطلب كسر هذا التمكين المزدوج، والذي يتمثل في *حملات داخلية تُشكك وتطعن في حق شركاء السلام*، تمارسها أقلام محسوبة على الصف الوطني، فتُضعف الجبهة الداخلية وتُشوّه الشرعية المدنية القائمة *وتحركات “صمود” الخارجية المنظمة لتدويل نفسها والمليشيا*، والعودة كقوة مدنية ذات شرعية، مستفيدة من التراخي الرسمي وضعف الخطاب الخارجي.

ولذلك، فإن المطلوب اليوم ليس فقط “ردع صمود”، بل تصحيح الانحراف الداخلي في التعامل مع الحركات المسلحة الوطنية، وإنهاء الخطاب الإقصائي الذي يخدم أجندة الخصوم أكثر مما يخدم الدولة.

وللتدارك وتحقيق ذلك، يجب اعتماد مسار مزدوج لإستعادة المبادرة الرسمية الخارجية، بتحرك استباقي يسد الفراغات التي تستغلها “صمود” ، توازياً مع عملية إصلاح لبيئة الخطاب السياسي الداخلي، بإعادة الاعتبار للحركات المسلحة الموقّعة على السلام، والتعامل معها كشريك استراتيجي، لا كمنافس يُستهدف بالإقصاء.

*_خـــلاصـــة الــقــول و منـتـهـاه:_*

ما تقوم به “صمود” في الخارج، وما يُمارس من حملات إقصاء ضد الحركات في الداخل، ليسا مسارين منفصلين، بل حلقتان في سلسلة واحدة، الهدف منها إعادة صياغة المشهد الوطني على أسس مقلوبة، تُكافأ فيها المليشيا وتُعاقب فيها القوى المنضبطة.

وإن لم يتم كسر هذه المعادلة المختلّة فورًا، فسنكون بصدد خسارة مزدوجة: تآكل الشرعية من الداخل ، وتسلل البدائل الزائفة من الخارج.

* المعركة اليوم لا تُخاض فقط بالسلاح في الميدان، بل أيضًا في معركة الوعي، والخطاب، والتحالفات، وعلى الدولة أن تدرك أن تأخير الحسم في أي من هذه الجبهات، هو إضعاف للجبهة كلها.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.