سودانيون

محجوب فضل بدري يكتب: تدمير مطار قَدَّ الهَبوب!!

محجوب فضل بدري يكتب: تدمير مطار قَدَّ الهَبوب!!

– كانت مدينة نيالا حتَّی منتصف السبعينات مدينة (صغيرة) مع سحر جمالها الطبيعی، وموقعها الهام، إستراتيجياً وتجارياً، ونضرة حداٸقها وتجانس مجتمعها، فقد كانت آخر محطات (السكة حديد) غرباً، وصِلتها ببقية مدن السودان ومن ثمَّ الميناء هی السكة الحديد أولاً، وتجٸ بعدها اللواری التجارية فی المرتبة الثانية، ومن بعد ذلك تأتی الخطوط الجوية سودانير فی المرتبة الثالثة، وفی نيالا مطار صغير عبارة عن مدرج ترابی قصير، ومكتب صغير وسلك شاٸك يحيط بالمدرج من جميع الجهات، تهبط فيه طاٸرة سودانير من طراز Fokker 50، مرتين فی الاسبوع بإنتظام لتحمل الركاب والبريد من وإلیٰ الخرطوم، والفاشر والأُبيض.

إلیٰ إن حدث ذات يوم أن إصطدمت الطاٸرة عند الهبوط فی مطار نيالا (بحمار) تسلل من فتحة فی السلك الشاٸك، بدون خساٸر تذكر، فتوقفت رحلات سودانير تماماً، وكان المطار مجاوراً لمحطة السكة الحديد من ناحية، وبمستودعات شركات البترول من ناحية، ولا سبيل لتوسعته بشكل آمن إلَّا بإنشاء مطار جديد كلياً، شرق المدينة خلف الجبل، الذی هو ليس جبلاً بالمعنی المعروف، إنما هو عبارة تلة كبيرة، وكان تحت تلك التلة حلة صغيرة تُسمَّیٰ (قَدَّ الهَبوب) فقد كانت موجة البرد تأتی من تلقاٸها، وأشهر سكان حلة (قد الهبوب) كان هو المرحوم (حسن أبوصرَّة) ناظر محطة السكة حديد، الذی فضَّل العيش فی نيالا بعد تقاعده علی المعاش، فاخلیٰ منزل الحكومة، وبنی لنفسه بيتاً فی قد الهبوب، وحصل علی توكيل لبيع تذاكر السكة حديد فی سوق نيالا، وكان حسن أبوصُرَّه أديباُ، محبًّاً للصحافة وله علاقات مع محمد أحمد السلمابی، وعبد الله رجب، ومحمد الخليفة طه الريفی، وكان يقطع المسافة من قد الهبوب أقصیٰ الشرق إلیٰ سوق نيالا أقصیٰ الغرب، مشياً علی قدميه، ببنيته الرياضية، وقامته الفارعة الطول، ولونه الشديد البياض، وشلوخه الأُفقية (شايقی) لا يخشی الربَّاطة الذين كانوا يقطعون الطريق الوحيد بين السكة حديد والسوق عند كبری خور نيالا الفاصل بين السكة حديد والمدينة جهاراً نهاراً، قبل أن تمتد إليهم يد الشرطة، وتودعهم سجن كوريا (مُقٔطَع الوادی) وكان من أشهر ضباط السجون وقتٸذ هاشم الوقيع، خلفه مُوسیٰ عِيسیٰ وكلاهما كان برتبة ملاحظ بوليس أی (نقيب)،

ولم يكن فی نيالا سویٰ فندق واحد إسمه لوكاندة عثمان، وسينما واحدة، وبقية المرافق الحكومية المعروفة، وصيدلية واحدة إسمها إجزخانة د. خالد، وكان فی السوق بعض الأجانب من أشهرهم كامل دلَّالة، وكعيكاتی، ومماكوس، ولكل منهم قصة تستحق أن تُرویٰ، ومن أشهر تجار نيالا علی الشريف آدم، والخير وموسی علی موسی، وحسن الحاج وشهرته (حسن جُلود)، وحاج بويطل، وهناك سوق أم دَفَسو

وفی نيالا سيارتا تاكسی لا ثالث لهما، واحدة يملكها علی بوهية، والأخری يملكها أحمد ضو البيت، وباقی المواصلات عبارة عن كارو بحصانين وباربع عجلات، بالإضافة للواری التجارية من ماركة التيمس أبيض ضميرك، وقدُّوم قِصَيِّر، والسفنجة بدفورد، قبل أن تحتل لورای النيسان المرتبة الأولیٰ، وكان الطريق الیٰ الفاشر الذی يمر بمنواشی الأكثر إرتياداً حيث شواء (المناصيص) الذی يتوفر بكميات كبيرة، بخلاف طريق كتَّال الذی يتوفر علی كميات كبيرة من (البركيب)، اللبن الرايب ولا يقوی علی السير فيه إلَّا لواری بمواصفات خاصة قادرة علی إجتياز الرمال المهولة مثل شاحنات إسكانيا الحكومية.

– ثمَّ شهدت نيالا وساٸر مدن دارفور نهضة عمرانية كبيرة وبنية تحتية كان منها مطار نيالا الجديد، وفندق الضمان ورٸاسة الولاية وجامعة نيالا وكل ذلك فی عهد الإنقاذ المفتریٰ عليها، حتی أن عينی انكرتها عندما رأيتها بعد سنوات طويلة عندما استضافت نيالا الدورة المدرسية، علی عهد الوالی (الكردفانی) الهُمام آدم الفكی، الذی أضاف لنيالا العديد من المسارح والملاعب، واستنفر لنهضة نيالا جميع فٸات مجتمعها.

– هبطت بنا الطاٸرة فی مطار نيالا، فقلت لمرافقیَّ أنا أكتر زول فيكم بيعرف نيالا، وما إن خرجنا من مطار نيالا حتَّیٰ أدركتُ إنی لا أعرف عن نيالا إلَّا قدرٍ ضٸيل لا يسمح لی بالتباهی مرةً أخریٰ، فقد تغيَّر كل شٸ نحو الأفضل بكل تأكيد، قبل أن يطوف علی نيالا وعلی السودان طاٸفٌ من مليشيا آل دقلو المجرمة، لتستخدم مطار نيالا محطة لتدمير كل السودان، ومن ثمَّ طالته نسور الجو فدمرته، فسررت لذلك الخبر وحزنت فی آنٍ معاً، وستنتهی الحرب بإذن الله وستعود نيالا إلیٰ حضن الوطن راقية زاهية، كما العهد بها، وستُخَلَّد ذكری شهداء القوات المسلحة، مثل البطل الشهيد اللواء الركن ياسر، وبقية الشهداء الكرام من مختلف القوات النظامية الأخریٰ والقوات المشتركة والمستنفرين.

– ومثلما شُيِّد مطار نيالا من الصفر، سيُعاد كأزهیٰ ما تكون المطارات فی بلادنا، وستكون حِلة قد الهبوب هی حی المطار، بجانب أحياء نيالا العريقة، مثل حی الجمهورية، والوادی وسُكَّرْ شَتَّتْ، من أحياء نيالا البحير شرق الجبيل.

– النصر لجيشنا الباسل.

– العَزة والمِنعة لشعبنا المقاتل.

– الخِزی والعار لأعداٸنا، وللعملاء، ولدويلة mbz أو wuz.

– وما النصر إلَّا من عند الله.

– والله أكبر، ولا نامت أعين الجبناء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.