منى أبوزيد تكتب.. هناك فرق: دور النوع..!
هناك فرق
منى أبوزيد
دور النوع..!
“بغير الحب يا ليلى تشيخ طفولة الإبريق.. بغير خطاكِ أنتِ معي يموت جمال ألف طريق”.. الشاعر أحمد بخيت..!
قبل اندلاع هذه الحرب كانت مؤسسة الزواج السودانية النموذجية هي تلك التي يتعايش الشركاء فيها وفقاً لمقتضيات الدور الاجتماعي للمرأة والرجل بحسب قناعات الوعي الجمعي– أي وفقاً لما يطلق عليه فقهاء الجندر في حذلقة “دور النوع”– فكانت معظم الزوجات يخدمن معظم الأزواج الذين كانوا يرفعون أصوات قوامتهم بما أنفقوا من أموالهم..!
إذا أرادت فاطمة أن تشن إحدى غاراتها على جيب محمد أحمد كانت “تدخل في الموضوع” على طريقتها الخاصة جداً فترمقه في دلال ثم تمنحه أجمل ابتسامتها قبل أن تغزو ملامحها المشرقة مسحة حزن مفاجئ وهي “تكشكش” بغوايشها القديمة على نحو يوحي بانزعاجها الشديد. وقبل أن يُجهز محمد أحمد على آخر قطعة في طبق اللقيمات تكون الفكرة التي كان يقطب حاجبيه غضباً من مجرد الإشارة إليها قد ازدانت في عقله، فيرشف آخر رشفة في كوب الشاي المقنن قبل أن يعلن استسلامه التام لها على نحوٍ مُبادِر وكأنه صاحب الفكرة..!
بإمكاني أن أورد رأيي الشخصي في هذا المقام فأقول لك بأن “منظر الزوج وهو منتفخ الأوداج ومنتفش كالطاووس بعد أن تنطلي عليه ألاعيب زوجته ينبغي أن يشعرها بالذنب وتأنيب الضمير، وإن هي حصلت على ما تريد بتلك الطريقة فينبغي أن يفسد عليها الشعور بالذنب استمتاعها بالنتيجة” لكنني وجدت أن صدور مثل هذا الرأي عن امرأة هو بمثابة كتابة جمل التحذير من خطر الإصابة بالسرطان- بسبب التدخين- على علب السجائر..!
شأنها شأن مختلف صور الحياة وصنوف العلاقات تعرضت مؤسسة الزواج السودانية لمحن واختبارات بفعل الهزات العنيفة التي عصفت باستقرارها وثبات أدوار الشركاء فيها بعد اندلاع هذه الحرب التي كان النزوح أو اللجوء أول تداعياتها التي تمظهرت في تعطل دولاب العمل بمختلف الوظائف والمهن، وبالتالي فقدان مصادر الدخل وتدهور أحوال المعيشة ووقوف الرجال أمام امتحان الإعالة ومَشَقَّة الانفاق..!
وهكذا وقفت القوامة أمام امتحان العجز عن الوفاء بشرط الإنفاق، بينما وقفت الزوجات أمام امتحان المقدرة على مواساة الأزواج بالمال الخاص أو القول اللين أو الصمت عن الشكوى وذلك أضعف الإيمان. وكثرت الأسئلة- في المجموعات الخاصة بالنساء على شبكات التواصل الاجتماعي- عن ما يقوله العلماء بشأن وجوب نفقة الزوجة على الزوج وإن كانت ميسورة الحال، وتمخضت معظم الردود عن إجابات وأنماط تفكير متشابهة في تأثرها بسطوة الأعراف والتقاليد..!
مؤكد أن الحال في ظل هذه الحرب تغني عن السؤال، لكن معظم النساء لديهن حساسية عالية تجاه موضوع الإنفاق، مرَدُّها- في تقديري- إلى تلك الظاهرة التي تفاقمت في السنوات الماضية في سودان ما قبل الحرب– ظاهرة– “الأزواج الذين لا ينفقون على بيوتهم ويُلقون بكامل العبء على زوجاتهم، بدعوى أنهن ميسورات أو على الأقل نساء عاملات يمتلكن المال الكافي للإنفاق على أنفسهن وأحياناً أولادهن”. وهؤلاء الأزواج منهم من كان لا يملك ما ينفقه حقاً، ومنهم من كان يملك لكنه يبخل طمعاً فيما عند زوجته..!
في ظل هذه الحرب طرأت متغيرات على دور النوع فيما يتعلق بالإنفاق، وتولت نساء كثيرات إعالة أسرهن في ظل عجز الأزواج بسبب وقوف الحال وتبدل المآل، فهل يعقل أن تضطلع الزوجات بأدوار القوامة، أو يعقل أن يسلبن الأزواج حقوق الولاية عليهن بدعوى أن الإنفاق هو شرط القوامة..!
أعتقد أن الهزات الاجتماعية العنيفة التي أعقبت اندلاع هذه الحرب هي فرصة لمراجعة مواقفنا من مؤسسة الزواج التي ظللنا ندخلها بشروط خوفاً من أحكام الآخرين، ونعيشها بقيود وفقاً لأعراف الآخرين، ثم نَمكثُ فيها كارهين ومُكرهين خشية أن تحيق بنا أحكام ذات الآخرين. والنتيجة زيجات فاشلة، وشركاء تعساء، يتظاهرون أمام الآخرين- وطوال الوقت- بأن كل شيء على ما يرام..!
من الجيد أن نتعظ من صور الفقد والاحتياج والحزن والخذلان التي عشناها في هذه الحرب فنُحسن إلى شركائنا بإيجاد العذر ورفع الحرج، وبعض التنازلات، ونُحسن إلى أنفسنا بأن لا نُكلِّفها إلا وُسْعَها، فنُقيل العثرَات ونستُر العبَرات، أو نخرُج بهدوء ونُغلِقَ الأبواب..
* صحيفة الكرامة