سودانيون

الأمين علي حسن يكتب.. يروى أن: حلوا الأحزاب تعيشوا في سلام

يروى أن

الأمين علي حسن

حلوا الأحزاب تعيشوا في سلام

قبل عشرات السنين كتب الشيخ محمد سعيد العباسي قصيدته المشهورة يوم التعليم والتي حذر في بعض أبياتها من الاحزاب والتحزب قائلاً:

فلو درى القوم بالسودان أين هم ** من الشعوب لقضوا حزناً وإشفاقا..

جهل وفقر وأحزاب تعيث به ** هدت قوى الصبر إرعادا وإبراقا..

إن التحزب سم فاجعلوا أبدا ** يا قوم منكم لهذا السم ترياقا..

لا تعجزوا أن تكونوا للهدى قبسا ** فكلكم قد زكا غرسا وأعراقا..

هكذا هي الأحزاب قبل اكثر من نصف قرن من الزمان حينها كان السودان كله أكثر وطنية وانتماء، كان العباسي يحذر منها ولكن لا أدري ماذا يكتب إذا عاش معنا اليوم ورأى كيف هي أحزابنا وتياراتنا السياسية.

لا أدري ماذا سيقول العباسي إذا سمع إحداهن وهي قيادية في تحالف سياسي بل كانت ناطقة باسمه تقول يجب حل الجيش السوداني لأنه حسب رأيها سبب كل المشاكل والابتلاءات. ولعلها لا تدري أن القوات المسلحة منذ الاستقلال وحتى اليوم لم تقم بانقلاب عسكري واحد بل الأحزاب السياسية كانت تحملها حملاً إلى السلطة بعد أن تعجز في إدارة شؤون البلد أو عندما تسعى للسلطة وتفشل، فبعيد الاستقلال مباشرة اجتمع قادة الحزبين الكبيرين وقرروا تسليم السلطة للجيش لأنهم فشلوا في إدارة البلاد فذهبوا لقائد الجيش إبراهيم عبود واقنعوه بضرورة استلام السلطة لأن البلاد على وشك الانهيار، وبعد أن تسلم عبود البلاد وأعاد إليها شيئاً من عافيتها خرجت القوى السياسية في سنة 1964م تهتف ضده فتنازل لهم عن السلطة وذهب إلى بيته مواطناً مثله وبقية المواطنين ومن طرائف الأقدار كان عندما يأتي للأسواق لحمل أغراضه كان الناس يهتفون ضيعناك وضعنا وراك.

تسلمت الأحزاب السلطة فبدأت معركة طويلة من الخلافات والاختلافات والانشقاقات حتى وصلت إلى تجميد نشاط الحزب الشيوعي في البرلمان ليقرر الشيوعي الوصول إلى السلطة عن طريق المؤسسة العسكرية وبالفعل في العام 1969م وصل للسلطة من خلال التحالف بين ضباط الشيوعي والضباط القوميون العرب وبدأت فيما بعد سلسلة خلافات بين الشيوعي وقادة مايو كانت نتيجتها قتل ودماء وإعدامات لتكون نهاية مايو في العام 1985م بثورة أخرى تسيدت بعدها الأحزاب السياسية المشهد بعد أن أوفت القوات المسلحة بعهدها وتنازلت عن السلطة طوعاً (عبد الرحمن سوار الدهب) لتبدأ جولة أخرى من الصراعات والاختلافات بين الأحزاب السياسية وصلت إلى حد أن يقول وزير الخارجية الشريف الهندي أمام الجمعية التأسيسية (البرلمان): “والله ديمقراطيتكم دي لو شالها كلب ما اقول ليه جر”.

انهارت البلاد وتراجعت في كل شئ وأصبحت المعاناة هي الصورة الأبرز في كل المجالات لتختم الحياة الحزبية وقتها في العام 1989م بانقلاب عسكري كان حزبياً تخطيطاً وتدبيراً وتنفيذاً حيث كانت تقف من خلفه الجبهة الإسلامية القومية استمرت لثلاثة عقود من الزمان فيها من السلبيات الكثير ومن الإيجابيات الكثير ولكن الصورة الأبرز هي خلافات الأحزاب السياسية وعدم توافقها على برنامج وطني واحد.

لتأتي هذه الأحزاب وتعتصم أمام قيادة الجيش لاجباره على استلام السلطة وبالفعل أعلنت القوات المسلحة في بيان رسمي تسلمها للسلطة في فترة انتقالية كان مقرراً لها ألا تزيد على العام الواحد ولكن الأحزاب بصراعها وخلافها القديم المتجدد قررت أن تمتد الفترة الانتقالية لسنوات.

مرة تشتم الجيش ومرة تشتم بعضها البعض ومرة أخرى تتآمر على السودان حتى ختمت تجربتها بحرب من أصعب حروب أفريقيا والسودان على مر التاريخ وهي حرب الأحزاب قبل الجيش، من تآمرت هي الأحزاب والذي قضى السنوات في الخلاف والاختلاف والتظاهر هي الأحزاب والذي قرر الإقصاء والعزل هي الأحزاب والذي كان يجلس مع فولكر في الصباح والمساء مع بعض السفراء هم الأحزاب والذي جاء بالاتفاق الإطاري وقرر تنفيذه بالقوة هي الأحزاب والذي كان سوساً بين العسكر وأشعل نار الخلاف بينهم هم الأحزاب والذي دعم الخلاف حتى نشوب الحرب هي الأحزاب والذي قرر مساندة مليشيا الدعم السريع والدفاع عن موقفها هم الأحزاب.

لذلك لا ينكر إلا مكابر أن أزمة السودان في أحزابه وتياراته السياسية، والحل للحروب والخلافات والاختلافات والمؤامرات حل الأحزاب السياسية ومنع ممارسة السياسة حتى يعود للسودان أمنه وأمانه وسيادته، ومن ثم لكل حادث حديث.

قد يعجبك ايضا
2 تعليقات
  1. […] الأمين علي حسن […]

  2. […] والتاريخ نجحت ثورة فولكر في شيطنة الإسلاميين. وفي نفس الوقت من بوابة فشلهم في […]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.