سودانيون

المعلمة، الفنانة والناشطة هويدا عبد اللطيف: المرأة السودانية قوية، صامدة، وفاعلة

في عالمٍ يزداد فيه الصمت تجاه قضايا النساء، تظهر أصوات قليلة تختار أن تقاوم بالكلمة، بالغناء، بالفعل.

شابة تمثل جيلًا جديدًا من الشابات السودانيات اللاتي يحملن همّ التغيير في قلوبهن، ويمضين نحوه بخطى ثابتة.

هي امرأة جمعت بين حنان الريف ووعي المدينة، تنمو في قلبها الحكايات بهدوء، وتتشكل الملامح بشغفٍ لا يخبو.

هويدا عبد اللطيف، معلمة وفنانة وناشطة، وامرأة صنعت لنفسها دربًا وسط التحديات، لتكون صوتًا للآخر، ومرآةً لصورةٍ أكثر عدلاً للمرأة السودانية. من قرية عتمور في أقصى ربوع الرباطاب، إلى منصات الفن، والتمكين، والتعليم، تصوغ تجربتها بتوازنٍ نادر بين العاطفة والعقل، وبين الحلم والعمل.

في هذا الحوار، تأخذنا هويدا عبد اللطيف محمد عبر محطات حياتها، من الطفولة حتى طموحاتها القادمة، بصوتٍ صادق وموقفٍ صلب، يجسد جوهر الإنسان الذي لا ينكسر رغم كل شيء. لنتعرف على محطات التكوين، التحديات، والأحلام القادمة، ولنفهم كيف يمكن لصوتٍ واحد أن يُحدث فرقًا!!

من عتمور إلى العالم

هويدا، دعينا نبدأ من البدايات… من أين انطلقتِ؟

انطلقت كطفلة من أقصى قرى الرباطاب، حيث الأحلام كانت تنافي الواقع. في قريتنا الصغيرة “عتمور”، كنا نعيش بين رعي الأغنام وجلب الوقود والسباحة في النيل كأحد وسائل الترفيه. ومع كل تلك البساطة، كنت أحمل رغبة عميقة في أن أكون إنسانة طموحة، ناجحة، ومفيدة لأسرتي ومجتمعي.

بين الأحياء والكيمياء.. والخروج من التخصص إلى الذات

لماذا اخترتِ الأحياء والكيمياء؟ هل كان هذا التخصص حلمًا منذ البداية؟

في الحقيقة، لم يكن التخصص حلمًا شخصيًا بل قرارًا فرضته الأسرة. تعاملت معه كما يتعامل الإنسان الواعي مع واقعه، لكنني بعد ذلك وجدت نفسي أدرس علم النفس العيادي، وأتوسع في مجالات البزنس والتسويق والكوتشنق، لأنها كانت أقرب إلى ميولي وشغفي الحقيقي.

الفن بين القبول والرفض

من هو الداعم الأول لكِ في مسيرتك الفنية؟ وهل واجهتِ رفضًا أو مقاومة؟

واجهت رفضًا شبه دائم في بداياتي، نتيجة تنميط المجتمع للغناء والفنانين، خاصة النساء. لكن إيماني العميق بما أقدمه جعلني أستمر. والدي، عليه رحمة الله، كان أول داعم لي في كل اختياراتي. أما والدتي، فهي النموذج الأعظم للنساء في حياتي، لم تتخلّ عني يومًا. وكذلك بقية أسرتي الصغيرة كانت دائمًا سندًا.

في قاعة الصف.. التعليم كرسالة حياة

أنتِ معلمة.. كيف تصفين تجربة التدريس؟

تجربتي مع التدريس كانت أكثر من مهنة. كانت رسالة حياة. عملت مع طلاب من خلفيات متعددة، وتعلمت أن في كل واحد منهم طاقة تنتظر من يوقظها. حرصت دائمًا على أن أكون ملهمة وآمنة لهم، لا مجرد ناقلة للمعرفة. ومن خلال التحديات، نضجتُ مهنيًا وإنسانيًا.

القيادة تبدأ من الجامعة

كيف كانت تجربة رئاستك لجمعية علوم الحياة؟

تجربتي في رئاسة الجمعية كانت لحظة محورية. لم تكن مسؤولية إدارية فقط، بل منصة لاكتشاف قدراتي. تعلمت أن القيادة الحقيقية تعني الإنصات، تحفيز الآخرين، وتوحيد الفريق نحو هدف مشترك. كانت تجربة نضج ووعي، دفعتني لأقود لاحقًا بمزيج من الشغف والعقلانية.

من المبادرات المجتمعية إلى “سودانيات ضد العنف”

حدثينا عن نشاطك المجتمعي، وخاصة مبادرة “سودانيات ضد العنف”؟

المجتمع كان دومًا مصدر إلهامي. شاركت في مبادرات صحية وبيئية وتعليمية، وهدفي كان خلق أثر حقيقي، مستدام، يشعر الناس بأنهم مرئيون ومسموعون.

أما مبادرة “سودانيات ضد العنف” فكانت ولادتها من وجع جماعي. اجتمعنا لنقول: “كفى” لكل أنواع العنف ضد المرأة. نظمنا حملات وجلسات دعم نفسي ومساحات للتعبير، وأعدنا للنساء أصواتهن، وللمجتمع شيئًا من توازنه المفقود.

حين يصبح الغناء نبضًا ورسالة

متى بدأ الغناء يأخذ موقعًا في حياتك؟

الغناء لم يدخل حياتي فجأة. كان لغتي السرية منذ الطفولة. لكن اللحظة الحقيقية حين أدركت أن صوتي يمكن أن يواسي ويوقظ الآخرين. منذها، لم يعد الغناء هواية، بل أصبح رسالة وهوية.

“صدى”.. مشروع ذاكرة ووجدان

ما هو “صدى”؟ وماذا يمثل بالنسبة لكِ؟

“صدى” هو محاولة لإحياء ما نظنه اندثر. هو مشروع فني توثيقي يعكس وجدان الناس، ويجمع شتات ذاكرة الأغنية السودانية. لا أوثق اللحن فقط، بل الحكاية خلفه، الشعور، والهوية المختبئة بين الكلمات.

التوثيق في زمن النسيان

ما التحديات التي واجهتكِ في توثيق الأغاني السودانية؟

واجهتنا صعوبات عدة، أبرزها غياب الأرشيف الرسمي، وضياع التسجيلات الأصلية، وتحفّظ بعض الأسر على القصص الحقيقية. لكننا صمدنا، لأن كل أغنية نوثقها هي ذاكرة مستعادة، وصوت نعيد إليه الحياة.

هل الأغنية السودانية بحاجة إلى إنقاذ؟

بالتأكيد، الأغنية السودانية كنز لكنه مهدد بالضياع. نحتاج إلى إعادة قراءة فنية ونقدية لتراثنا، وفهم قيمه. الإنقاذ ليس مجرد حفظ، بل هو استعادة للهوية.

“هل الجمال خدمكِ”؟

الجمال هبة، لكنه ليس أساس النجاح. ما يخدمني حقًا هو صفاء النية وسلام الروح. الجمال الحقيقي ينبع من الداخل.

من الغناء إلى التمثيل.. مساحة جديدة للتعبير

كيف دخل التمثيل في حياتك؟

التمثيل كان وسيلة أخرى لفهم الحياة والإنسان. أردت التعبير عما لا يُقال بالكلمات. هو مساحة للصدق، والشجاعة، واكتشاف الذات من جديد.

المرأة السودانية في الفضاء الإقليمي

بصفتك عضوًا في المجلس الأفروآسيوي، كيف ترين دور المرأة السودانية؟

المرأة السودانية قوية، صامدة، وفاعلة في محيطها. لها دور كبير في التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي. وأراها قادرة على صنع مستقبل أكثر عدلاً وشمولاً إذا توفر لها الدعم والفرص.

الكتابة والفن في مواجهة الأزمات

ما الذي تمثله الكتابة بالنسبة لكِ في ظل الأزمات؟ وما دور المثقف؟

الكتابة في هذه الأوقات شهادة. هي صرخة، وذاكرة، وبذرة أمل. المثقف والفنان يجب أن يكونا صوت من لا صوت لهم، وشعلة وسط الظلام.

هل صوتك أداة نضال؟

نعم، أغني لأجل قضية. لأجل سلام وكرامة الناس، خاصة النساء والأطفال. صوتي رسالة أرسلها كل يوم كي لا ننسى أننا بشر نستحق أن نحيا بكرامة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.