سودانيون

وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية والموارد البشرية معتصم أحمد صالح: ضوابط قانونية لمعاقبة أية جهة أو فرد يحول الإغاثة للأسواق..

حوار- محمد جمال قندول

تحديات ماثلة تواجه الرعاية والتنمية الاجتماعية والموارد البشرية بعد دمج هذه الحقائب في وزارة واحدة.

ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، بجانب تحديات الصناديق التابعة للوزارة تضع الوزير الاتحادي معتصم أحمد صالح تحت الضغط فى محاولته لوضع بصمة خلال تجربته التنفيذية التي تأتي في ظل توقيت بالغ التعقيد.

(الكرامة) وضعت أسئلة ساخنة أمام الوزير معتصم فجاءت إجاباته واضحة وقوية.

هنالك جانب مهم لم تتحدثوا عنه حتى الآن وهو الحقيبة الوزارية التي أضيفت لعنايتكم وهي الموارد البشرية، وفيها أفرع مثل مكاتب استخدام الأجانب وصندوق تشغيل الخريجين، ألا تتفقون بأن هذا الجانب  مهمل حتى الآن؟.

الحديث عن إهمال هذا الجانب غير دقيق، لأن الوزارة تعمل فعليا على إعادة بناء قطاع الموارد البشرية وتنظيمه بعد أن تضررت مؤسساته خلال الحرب.

لقد وضعنا خطة متكاملة لتفعيل هذا القطاع على ثلاثة محاور:

  1. تشغيل الخريجين: أعدنا هيكلة صندوق تشغيل الخريجين ونعمل على إنشاء منصة وطنية موحدة للتشغيل ترتبط ببرامج الأشغال العامة ومشروعات التعافي في الولايات، مع التركيز على الخريجين في مجالات التعليم، الصحة، الطاقة المتجددة، وتقنيات الزراعة.
  2. تنظيم استخدام العمالة الأجنبية: يجري حاليا تحديث اللوائح الخاصة بتصاريح العمل للأجانب وربطها إلكترونيا بالضرائب والتأمين الاجتماعي، لضمان الشفافية ومنع أي تجاوزات أو عمالة غير نظامية، بما يحقق تكافؤ الفرص بين جميع العاملين.
  3. إدارة سوق العمل والبيانات: نعمل على إطلاق المسح الوطني للقوى العاملة بنسخة مبسطة بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء، لتقدير الفجوات الحقيقية في سوق العمل وتحديد أولويات التدريب والتشغيل في المرحلة المقبلة.

القطاع لم يكن مهملاً، بل كان متأثرا بالحرب وفقدان البنية التحتية، وبدأنا فعليا في تفعيله تدريجيا ضمن منظومة الإصلاح الإداري الشامل.

معدل البطالة تجاوز 45 بالمئة في بعض الولايات..

البطالة زادت بعد الحرب بشكل مخيف. هل لديكم إحصاءات دقيقة لحجم البطالة؟ وما هي معالجاتكم، مع العلم بأن الأمم المتحدة أشارت في تقرير سابق إلى أن نحو خمسة ملايين فقدوا وظائفهم؟

صحيح، الحرب خلفت موجات واسعة من فقدان الوظائف، سواء في القطاعين العام أو الخاص، النظامي وغير النظامي. الأرقام الأممية قريبة من الواقع، إذ تشير تقديراتنا الميدانية إلى أن معدل البطالة تجاوز 45 بالمئة في بعض الولايات المتأثرة.

لكننا في الوزارة بدأنا تنفيذ خطة تعافٍ واقعية تستهدف خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة عبر ثلاث مسارات:

  1. برنامج تشغيل الشباب: الذي يستهدف 150 ألف شاب وشابة في مشروعات البنى الأساسية، وإعادة الإعمار، والخدمات العامة، والقطاع الزراعي والحيواني.
  2. التشغيل الذاتي والتمويل الأصغر: أطلقنا مبادرة تمويل 250 ألف مشروع إنتاجي عبر بنك الأسرة وبنك الادخار والتنمية الاجتماعية ومؤسسات التمويل الأخرى، بهدف تمكين الأسر الفقيرة والنساء والشباب من تأسيس أنشطة مدرة للدخل.
  3. التدريب من أجل التشغيل: أعد المجلس القومي للتدريب خطة لتأهيل 80 ألف متدرب في العام 2026 في مجالات مهنية وتقنية حديثة، لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والخارجي.

نحن لا نعتمد على الإحصاءات فقط، بل نعمل على تحويل البيانات إلى برامج تشغيل فعلية تخلق فرص عمل حقيقية وتحرك الاقتصاد من القاعدة.

نسبة الفقر ذكرت بأنها ارتفعت لأكثر من 70 بالمئة.. ما هي خططكم لمكافحة الفقر؟ وهل هنالك تفاهمات خارجية مع جهات دولية لاحتوائه؟

ارتفعت معدلات الفقر نتيجة ضعف إيرادات الدولة وزيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة احتياجات الحرب وتوقف عدد من الأنشطة الاقتصادية والخدمية.

خطتنا تقوم على الانتقال من الإغاثة إلى الإنتاج من خلال محاور واضحة:

  • توسيع مظلة الحماية الاجتماعية عبر إدخال 300 ألف أسرة جديدة في التأمين الصحي والدعم النقدي المباشر.
  • تمويل المشروعات الصغيرة للفئات المنتجة، من خلال بنك الأسرة وبنك الادخار ومؤسسات التمويل الأخرى، مع تبسيط شروط التمويل وخفض الضمانات.
  • تحريك الاقتصاد المحلي عبر برامج الزكاة الإنتاجية ومشروعات المرأة الريفية والشباب.
  • تفاهمات خارجية مع دول مثل قطر، تركيا، أذربيجان، باكستان، إندونيسيا ومصر، لدعم برامج التمويل الأصغر والتدريب المهني وبناء القدرات.
  • بالإضافة إلى التنسيق مع البنك الإسلامي للتنمية ورابطة العالم الإسلامي لتمويل مشاريع الإعمار الاجتماعي وتمكين الشرائح الضعيفة.

الهدف أن يكون الدعم الإنساني جسرا نحو الاكتفاء والإنتاج، لا مجرد إغاثة مؤقتة.

سبب ارتفاع معدلات الفقر بالسودان (…)

 هناك جدل كبير حول المساعدات الإنسانية وأنها تتسرب إلى الأسواق. هل هذا صحيح؟

التسرب وارد في ظل ظروف الحرب، لكنه لا يمثل القاعدة العامة. الوزارة بالتنسيق مع الجهات الإنسانية وضعت آليات رقابة صارمة تشمل:

  • نظام تتبع رقمي لتوزيع المواد الإغاثية وربطها بالسجل الاجتماعي والرقم الوطني للمستفيدين.
  • لجان ميدانية مشتركة من الجهات الحكومية والمجتمع المحلي لمراقبة التوزيع ومنع التلاعب.
  • ضوابط قانونية واضحة لمعاقبة أي جهة أو فرد يثبت تورطه في تحويل الإغاثة إلى الأسواق.

نحن نعمل على أن تصل المساعدات لمن يستحقها فعليا، وأن تكون جزءا من منظومة الاستجابة الإنسانية لا وسيلة للفساد أو الاستغلال.

تسرب المساعدات الإنسانية للأسواق وارد وهذا هو السبب (…)

بعد عامين ونصف، هل لديكم حصر للخسائر في نطاق وزارتكم؟

نجري حاليا حصر الأضرار على مستوى رئاسة الوزارة ووحداتها اتحاديا وولائيا، وقد شكلنا لجانا متخصصة للحصر والتقييم ووضع خطة شاملة للصيانة وإعادة التشغيل. بعض هذه اللجان أنهت أعمالها ورفعت تقاريرها النهائية، بينما لا تزال لجان أخرى تعمل ميدانيا في ولايات مختلفة بسبب صعوبة الوصول إلى بعض المناطق المتضررة.

عدد من الإدارات والوحدات دُمر كليا، وبعضها الآخر تضرر جزئيا، لذلك بدأنا فعليا أعمال التجهيز والصيانة وإعادة التأهيل تمهيدا لعودة الوزارة ووحداتها إلى العمل الكامل في القريب العاجل.

أما بالنسبة للوحدات المنتشرة في الولايات، فقد شمل الحصر مرافق صحية واجتماعية متضررة، ومعدات منهوبة، وقواعد بيانات معطوبة.

أنجزنا قوائم الأولويات لإعادة التشغيل، وتشمل المراكز الصحية، مراكز التأمين الصحي، مقرات ديوان الزكاة والمفوضيات الاجتماعية، وبدأنا فعليا في إرجاع أكثر من 80 بالمئة من المرافق بالمناطق المستقرة، على أن يكتمل العمل خلال عام 2026.

كما تم وضع جدولة زمنية لاستكمال تأهيل الأجهزة الحيوية والمعدات المتخصصة بالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين.

بدأنا مراجعة شاملة لجميع الصناديق والمؤسسات التابعة للوزارة..

متى ستنتقلون للعمل من داخل الخرطوم؟

لدينا خطة عودة متدرجة ومدروسة ترتبط بتوفر السلامة العامة واستقرار الخدمات الأساسية.

وقد صدر قرار بإخراج المؤسسات الحكومية من منطقة الخرطوم شمال الممتدة من السكة حديد إلى النيل الأزرق، وهي المنطقة التي تتركز فيها أكثر من 90 بالمئة من مباني الوزارة ووحداتها.

المواقع البديلة غير جاهزة بعد وتحتاج إلى صيانة شاملة وتهيئة فنية ولوجستية قبل إعادة التشغيل الكامل.

ورغم هذه الصعوبات، فقد بدأنا فعليا في تنفيذ العودة الجزئية عبر فرق فنية صغيرة تقوم بـ:

  • إعادة تشغيل نقاط خدمة محدودة لتقديم الخدمات العاجلة للمواطنين.
  • التوسع المرحلي التدريجي في الأداء كلما تحسنت الخدمات العامة.
  • استمرار تقديم الخدمات مركزيا ومن الولايات لمنع توقف المعاملات وضمان استمرارية العمل حتى يتم الانتقال الكلي إلى الخرطوم.

الوزارة تعمل وفق مبدأ استمرارية الخدمة من أي موقع آمن، وتضع سلامة العاملين والمراجعين في مقدمة أولوياتها، مع الالتزام الكامل بعودة المؤسسات القومية إلى العاصمة فور استقرار الأوضاع الخدمية.

نعمل على إعادة دمج الضحايا والنازحين في مجتمعات آمنة..

الحرب خلفت انتهاكات وجرائم إنسانية غير مسبوقة قامت بها ميليشيا الدعم السريع. ما هو دور الوزارة في هذا الملف؟

الوزارة ليست جهة تحقيق، لكنها تضطلع بدور أساسي في معالجة الآثار الإنسانية والاجتماعية لتلك الجرائم.

قمنا بإنشاء عيادات ومراكز دعم نفسي واجتماعي للناجين، مع التركيز على النساء والأطفال وكبار السن.

كما نسقنا مع وزارة العدل والصحة والمفوضية القومية لحقوق الإنسان لتوثيق الحالات وضمان وصول الدعم الطبي والنفسي والقانوني للمعتدى عليهم.

نعمل أيضا على إعادة دمج الضحايا والنازحين في مجتمعات آمنة وتوفير برامج تمويل صغيرة تعيد لهم الكرامة والاستقرار.

قضية الانتهاكات لا يمكن معالجتها إلا بمزيج من العدالة والدعم الاجتماعي، ونحن ملتزمون بالشق الإنساني من هذه المسؤولية.

هناك جدل حول أداء الصناديق التابعة للوزارة، خاصة ديوان الزكاة. ما تعليقكم؟

نحن ندرك أن الحرب أربكت أداء الصناديق، ولذلك بدأنا منذ منتصف 2025 عملية مراجعة شاملة لجميع الصناديق والمؤسسات التابعة للوزارة.

فيما يخص ديوان الزكاة، فقد وجهنا بإعادة النظر في أساليب الاستهداف وتوسيع الدعم ليشمل النازحين والفقراء الجدد الذين أفرزتهم الحرب.

كما تم تعزيز الرقابة الداخلية وتحديث قواعد البيانات وربطها بالسجل الاجتماعي لضمان العدالة في التوزيع.

نعمل حاليا على تحويل جزء من موارد الزكاة إلى تمويلات إنتاجية صغيرة بدلا من الإعانات الاستهلاكية، حتى يصبح المستفيد منتجا قادرا على الاعتماد على نفسه.

كما تم توجيه صندوق المعاشات، وصندوق التأمين الصحي، ومصرف الادخار بالعمل المشترك لتحقيق تكامل حقيقي في الحماية الاجتماعية.

ندرك معاناة المعاشيين ووضعنا خطة المعالجة من محورين..

استحقاقات المعاشيين بعد التضخم لم تعد تساوي شيئا.. ما هي معالجاتكم في هذا الملف؟

ندرك تماما معاناة المعاشيين، لذلك وضعنا خطة لمعالجة الملف عبر محورين:

  1. المعالجة المالية: تمت جدولة المتأخرات للأعوام 2023-2025، مع تحسين إجراءات الصرف ورفع كفاءة التحصيل لضمان انتظام الدفع. كما رفعنا نسبة الصرف النقدي المباشر وزدنا التنسيق مع وزارة المالية لتأمين السيولة المطلوبة في مواعيدها.
  2. تحسين القوة الشرائية والخدمات: نعمل على تحسين قيمة المعاشات تدريجيا وربطها بمؤشرات غلاء المعيشة، إلى جانب توسيع الخدمات الصحية والتأمينية المقدمة للمعاشيين وأسرهم، وتوفير دعم إضافي للحالات الحرجة والمرضية.

كما نعمل على برامج تمويل صغيرة للمعاشيين القادرين على العمل، ليكون المعاش مدخلا لاستقرارهم الاقتصادي لا عبئا عليهم.

هل لديكم حصر لحجم جرائم وانتهاكات الميليشيا في الفاشر والجزيرة والخرطوم وسنار؟

الوزارة لا تتولى الحصر الجنائي، لكننا نعمل على توثيق الآثار الاجتماعية والإنسانية لهذه الجرائم ضمن مهام الحماية والرعاية.

في الفاشر ومحيطها، شهدنا واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية، وبلغ عدد النازحين الذين وصلوا إلى الدبة ودنقلا وعدد من مناطق الولاية الشمالية نحو خمسين ألف نازح.

قمنا بإنشاء عيادة ومركز صحي ثابت لتقديم الخدمات الصحية، ونعمل حاليا على إرسال مواد غذائية وأدوية ومحاليل وريدية ومستلزمات طبية مختلفة، إلى جانب زيادة عدد المراحيض وتهيئة البيئة الصحية لمواجهة الوضع الإنساني المتدهور.

التقارير الميدانية تؤكد أن ميليشيا الدعم السريع ما زالت ترتكب جرائمها في الفاشر، حيث تستمر عمليات التصفية والتعذيب ومنع المواطنين من الخروج من المدينة، كما تعرقل دخول شاحنات الإغاثة وتمنع وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما يزيد من سوء الأوضاع الإنسانية هناك.

في الجزيرة والخرطوم وسنار يجري العمل على إعادة تشغيل المرافق الصحية والاجتماعية المتضررة وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين من الانتهاكات.

نحن نؤمن أن العدالة تبدأ بحماية الضحايا، وأن واجبنا الإنساني هو أن نعيد إليهم الأمل والكرامة..

* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.