الركابي حسن يعقوب… يكتب… مؤتمر واشنطون.. هل هو إعادة تدوير لمنبر جنيف
قال مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية مسعد بولس في تصريحات صحفية لـ “الشرق” أن بلاده ستستضيف مؤتمراََ بشأن ما سماه ” الصراع في السودان“.
بولس لم يحدد موعداََ بعينه لانعقاد المؤتمر ، لكنه أكد أنه سيكون قريباََ ، وبولس هو مهندس إتفاق السلام الذي تم بوساطة قطرية أمريكية بين رواندا والكونغو الديمقراطية وتم التوقيع عليه من قبل وزيري خارجية رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطون الجمعة الماضية.
ويأتي النشاط الحثيث للرئيس ترامب نحو الانخراط في مساعي حل الصراعات المختلفة حول العالم في إطار تطلعه لنيل جائزة نوبل للسلام، وهو هدف معلن تعمل إدارته على تحقيقه بشتى السبل، وهو أمر يخص الرئيس ترامب وحزبه وهو هدف مشروع على أية حال ولا يخرج عن إطار التنافس السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين والطموح الشخصي للرئيس ترامب.
لكن لا يقف الأمر عند هذا الحد المثالي، فالرئيس ترامب رجل أعمال مهووس بإبرام الصفقات وتقوم ذهنيته في النظر إلى قضايا السياسة الدولية على أساس حساب الربح والخسارة المادية، وليس على مجرد إطفاء الحرائق وتسوية الصراعات وحل الأزمات حول العالم ونشر السلام بدوافع أخلاقية مثالية باعتبار أن بلاده كقوة عظمى لها دور والتزام أخلاقي يحتم عليها نشر السلام في العالم!!
.
كان هذا واضحاََ بالنسبة للجميع فمقاربته للحل تجاه ح رب روسيا و أوكرانيا قامت على أساس ما عرف بصفقة المعادن بين واشنطون وكييف ، وبحسب ما قاله ترامب نفسه فإن الصفقة تتيح لبلاده الحصول على أكثر من 350 مليار دولار.
وبالنسبة لاتفاق الكونغو ورواندا فإن الرئيس ترامب يخطط لخلق استثمارات أمريكية بمليارات الدولارات في الذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم والتنتالوم وهي معادن تذخر بها الدولتين.
وسبق للرئيس ترامب أن صرح بخصوص رؤيته لوقف حرب إسرائيل على غزة بأنه يتطلع إلى أن تكون للولايات المتحدة ملكية طويلة الأمد في قطاع غزة وتهجير سكان القطاع إلى “أماكن أخرى” ومن ثم تحويل غزة إلى منتجع سياحي فاخر سماه ريفيرا الشرق الأوسط!!!!
هذه هي ذهنية ترامب ونظرته لتسوية الأزمات “حل الصراعات عبر الصفقات”..
كانت هذه المقدمة ضرورية لفهم ما يمكن أن يطرحه ترامب بخصوص السودان ، حيث من المؤكد أن يقوم مقترحه لحل الأزمة ووقف الحرب على إبرام إتفاق يتضمن صفقة مليارية لصالح بلاده ، ولكن لا أحد يستطيع التكهن بتفاصيلها في الوقت الراهن والولايات المتحدة تعلم جيداً الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها السودان خاصة في قطاعي الزراعة والمعادن.
بالعودة لتصريحات مسعد بولس مستشار ترامب للشؤون الأفريقية بين يدي إعلانه عن استضافة بلاده لمؤتمر خاص بالسودان قريباََ ، هناك عدد من الملاحظات على هذه التصريحات تشير إلى وجود فجوة معلوماتية حقيقية أو مصنوعة وأياََ كان الأمر فهي بالعموم غير مبشرة..
بولس قال أنه لا يوجد حل عسكري بشأن الصراع في السودان ، ورغم أن هذه العبارة مفهومة في سياقها كونها مدخل يبرر تدخل الولايات المتحدة كوسيط لحل الأزمة ، إلا أنها تتصادم مع الرؤية الرسمية للسودان التي تهدف إلى القضاء بالقوة العسكرية على التمرد المستقوي بقوى خارجية هدفها تدمير البلاد.
ومما قاله بولس عن الح رب في السودان أن بلاده ترى أنها ليست حرباََ بالوكالة ، وهذا القول يضع ظلالاََ من الشك والريبة على حيادية واشنطون ويهز الثقة في أهليتها للوساطة فهي تعلم جيداً أنها حرب بالوكالة وتعلم علم اليقين من يدعم ميلي شيا الدعم السريع ومن يخطط لها ومن يمولها لتنفيذ أهداف هذه الجهة الداعمة والممولة ، مما يجعل تعريف الحرب بالوكالة ينطبق عليها بدقة، وبالتالي فالقول بأنها ليست حرباََ بالوكالة هو قول يجافي الحقيقة تماماً.
وثالثة أثافي التصريحات غير المبشرة لمستشار ترامب مسعد بولس إعلانه عن وزراء الخارجية المشاركين في المؤتمر المقترح ومن ضمنهم وزير الخارجية الإماراتي، فالبنسبة للسودان السعودية ومصر مشاركتهما لا غبار عليها ومبررة، فالسعودية راعية بالشراكة مع أمريكا لمنبر جدة، وتشهد علاقاتها الثنائية بالسودان تطوراََ ملحوظاََ وظلت تسعى منذ اليوم الأول للحَ رب إلى التهدئة مع التأكيد على شرعية الحكومة في السودان وضرورة ضمان وحدة وسلامة وأمن السودان وتتطابق وجهات نظرها مع السودان في كثير من القضايا الثنائية والإقليمية ، وتحتفظ مصر بعلاقات طيبة ومتميزة مع السودان وكررت القاهرة في كثير من المناسبات التأكيد على موقفها المساند للسودان وحقه في الدفاع عن أرضه وتعتبر أن الأمن القومي المصري من الأمن القومي السوداني.
أما بخصوص مشاركة الإمارات في المؤتمر فإنه غير مبرر ولن يجد القبول من جانب الحكومة السودانية، والسبب واضح وهو أن الأمارات هي التي تغذي الحرب وتدعم ملي شيا الدعم السريع وهي التي تنشر الخراب والدمار وتقتل السودانيين، وهي التي اعتدت بصورة مباشرة بالطائرات المسيرة على بورتسودان وتقوم بإيصال السلاح والعتاد والمعدات العسكرية بطائرات مستأجرة لميلي شيا الدعم السريع عبر مطار نيالا، وكل هذا موثق وتقدم به السودان في مجلس الأمن وقاضى به الإمارات في محكمة العدل الدولية وووو… الخ.
وسبق أن رفض السودان مشاركة الإمارات في عديد من المحافل التي أقيمت بخصوص الح مرحبا رب في السودان وآخرها المؤتمر الذي أقيم في لندن
بدعوة من الخارجية البريطانية في أبريل الماضي.
لقد وضع مستشار ترامب بتصريحاته هذه العربة أمام الحصان، والتي تظهر الإدارة الأمريكية بمظهر الوسيط غير المحايد ، بتبنيها لرؤية الإمارات على حساب السودان الذي لم تعترف له بأي حق يحفزه على التفكير بجدية في الإنخراط في مساعي الحل الأمريكية المقترحة ، بل هي تبدو كما لو كانت إعادة تدوير لمنبر جنيف الذي رفض السودان المشاركة فيه لذات الأسباب والذي انعقد في أغسطس من العام الماضي.
لا نقول على الحكومة أن تغلق الباب في وجه المقترح الأمريكي بالضبة والمفتاح ، ولكن الواجب عليها أن تبدي تحفظاتها على هذه النقاط التي صرح بها بولس (توصيف الحرب – مشاركة الإمارات) ، وغيرها من القضايا الأخرى التي تتعارض مع مصالح السودان وتصادر حقوقه الطبيعية كدولة ذات سيادة ولها وزنها المعتبر في نطاقها الإقليمي خاصة ، والدولي بالعموم.
فإن وجدت هذه التحفظات استجابة وآذان صاغية فيمكن القبول بمبدأ الحل السلمي ، وإلا فإن الرفض يجب أن يكون هو الرد التلقائي.
ومطلوب من الدبلوماسية السودانية في الأثناء أن تقوم بجهود استباقية على الصعيد الثنائي مع واشنطون لإحداث إختراق في قضاياه بما يعزز موقف السودان ويقطع الطريق على المؤتمر المقترح بأجندته التي تظهر فيها بصمات الإمارات واضحة ، وأن يستكمل تشكيل الحكومة المدنية وتجاوز عقبة الخلاف القائم حول الحقائب الوزارية.
وأيضاً وفي الأثناء وعلى الصعيد العسكري الميداني يجب تكثيف العمليات النوعية في محاور القتال لفرض واقع عسكري جديد يصعب تجاوزه يدعم موقف السودان في أي طاولة سلام محتملة.