سودانيون

راشد همت… يكتب…الخرطوم بعد ال ح رب: نداء العاصمة المنهكة… بين ركام النفايات

راشد همت… يكتب…الخرطوم بعد ال ح رب: نداء العاصمة المنهكة… بين ركام النفايات

 

لم تَعُد الخرطوم كما كانت، ولا كما يجب أن تكون في وجدان أبنائها وأحلام أجيالها.

إنها اليوم مدينة تختنق بالغبار، وتئنّ تحت وطأة الدمار، وتكابد وجعًا صامتًا فوق أرصفة فقدت ملامحها، وأسواق غابت عن الوجود تمامًا.

شوارع العاصمة مزدحمة بالأنقاض، تحاصرها الجدران المنهارة، وتخنقها النفايات المتراكمة.

لكنّ ما تراه العين ليس مجرد أوساخ متناثرة، بل شواهد ناطقة على جرحٍ عميق في جسد الوطن.

الخرطوم الجريحة تستغيث بطوق نجاة حقيقي، بعد أن تركتها الحرب مدينةً عارية من مقومات الحياة.

*وجه آخر للدمار: نفايات الحرب الصامتة*

ما يملأ شوارع الخرطوم اليوم ليس فقط بقايا طعام أو استهلاك يومي، بل هو ركام حرب:

أنقاض أبنية منهارة، ومخلفات أسلحة، وشظايا، ومواد مجهولة المصدر قد تُشكّل خطرًا بيئيًا وصحيًا داهمًا.

نشأت مكبّات عشوائية في قلب العاصمة، تحوّلت إلى قبور مفتوحة للبيئة والصحة العامة، تُهدّد سلامة الإنسان، وتُنذر بكارثة بيئية وإنسانية ما لم يتم التدخّل العاجل.

إنّ الأمر أكبر من مجرد “حملات نظافة”، فالمسألة تتطلّب خطة علمية متكاملة:

فحص النفايات،

فرز وتصنيف ما هو خطِر،

استخدام أدوات فنية متقدمة،

وتدخّل فرق متخصصة في إدارة الطوارئ البيئية.

*جهود الوالي وحكومته*

لا يمكن الحديث عن واقع الخرطوم بعد الحرب دون الإشادة بالجهود الوطنية التي يبذلها والي الولاية وطاقمه التنفيذي.

لقد ظلوا في خطوط المواجهة، يرابطون في قلب العاصمة، يديرون الحياة بإمكانات محدودة، ويمارسون واجبهم في ظل غياب الخدمات الأساسية وفي ظروف الحرب.

لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الخرطوم اليوم بحاجة إلى ما هو أكبر من سلطة ولائية.

هي تتطلّب تدخّلًا وطنيًا شاملًا ومباشرًا، بإشراف رئاسة الدولة، ودعم مالي وفني منظّم، وخطة عمل تتجاوز حدود الولاية لتكون مشروع إنقاذ قومي.

فما حدث في الخرطوم ليس أزمة محلية، بل هو تجسيد لانهيار مؤسسات الدولة بسبب الحرب والتدمير الممنهج.

الطرقات محفّرة، والمياه منقطعة، والكهرباء متهالكة تمامًا، والمستشفيات بلا قدرات، والإدارات مشلولة، والأسواق تحتاج إلى مراجعة شاملة.

كلّ هذه التحديات مترابطة؛ لا نظافة بلا طرق، ولا صحة في بيئة ملوّثة، ولا تنظيم بلا مؤسسات فعّالة.

ومع اقتراب موسم الخريف، تزداد المخاوف من تفشّي الأمراض وتفاقم الأوضاع.

*خارطة الطريق: من الفوضى إلى إعادة البناء* حتى لا نكتفي بالبكاء على الأطلال، لا بد من تحرّك مسؤول، يبدأ بخطة وطنية واقعية، واضحة وملزِمة، بما يتيح تدخّلًا خاصًا قانونيًا وماليًا وإداريًا:

1.تشكيل لجنة وطنية لإعادة إعمار العاصمة، تضم خبراء من مجالات الهندسة، البيئة، الأمن، والتنظيم المدني.

2.فتح عطاءات وطنية ودولية شفافة لمعالجة النفايات، وصيانة البنية التحتية، والطرق، والمرافق الخدمية، وتوفير حلول مستدامة للمياه والكهرباء.

3.استدعاء الدعم الدولي عبر المنظمات المتخصصة في إدارة ما بعد النزاعات.

4.إشراك المجتمع المحلي في حملات النظافة وإعادة التأهيل، عبر مبادرات شبابية ومجتمعية تُغرس فيها ثقافة النظافة كقيمة، لا كمهمة موسمية.

*خاتمة: الخرطوم لا تحتضر… لكنها تُناديكم*

رغم الألم والدمار، الخرطوم لم تمت.

ما زالت تنبض بالحياة من تحت الركام، وتصرخ بنداء مكلوم إلى كلّ من بقي فيه ذرة وطن:

“أنقذوني… أعيدوا إليّ كرامتي.”

الخرطوم ليست مجرد مدينة، بل هي رمز السيادة، ومركز القرار، وبوصلة السودان.

فلنستجب لنداء العاصمة المنهكة، ولتكن إعادة إعمار الخرطوم بدايةً لميلاد جديد، لا ترميمًا لماضٍ منهار.

نحتاج إلى عزيمة، وتخطيط، ومؤسسية تُعيد وجه الخرطوم النظيف، وتنهض بها لتكون كما تستحق:

حاضرةً شامخة..

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.