نماء أبوشامة تكتب: نوفمبر… ذاكرة الحنين
يطلّ نوفمبر، فيوقظ شيئًا ناعمًا داخل الروح، كأن القلب يتذكّر فجأة كيف يكون دافئًا بعد طول غياب.
هذا الشهر خُلق ليمنحنا فرصة أخرى للنبض، ومساحة صغيرة لنلتقط أنفاسنا بسلام.
لا يشبه الشهور الأخرى؛ يأتي بخطواتٍ خفيفة كزائرٍ يعرف طريقه إلى القلب دون أن يُحدث جلبة، لكنه يترك أثرًا لا يُمحى.
السماء تبدو أكثر صدقًا، والمطر يحمل ملامح حنانٍ نادر، والهواء يمرّ على الوجوه كاعتذارٍ صامت عن كل قسوةٍ سبقت.
تتهاوى أوراق الشجر ببطء، تمامًا كما تسقط الذكريات من الذاكرة حين تتعب، ويبقى منها ما استعصى على الرحيل، ما اختار البقاء لأن القلب لم يسمح له بالغياب.
أحب نوفمبر ليس لأنه شهر ميلادي فحسب، بل لأنه يشبه الأشياء التي تُهدئني: الغيم الذي يعانق الأفق، صوت المطر حين يلمس الزجاج، وبرودة المساء التي تدفعني نحو دفء ذاتي.
أحبّه لأنه يذكّرني أن الجمال الحقيقي لا يصرخ بحضوره، بل يأتي خفيفًا، كنسمةٍ تعبر القلب وتتركه أجمل مما كان.
في هذا الوقت من العام، تتحدّث الجروح بلغةٍ أهدأ، ويغدو الحنين ناعمًا، كأنه لم يعُد وجعًا بل امتنانًا لما كان جميلًا.
تمرّ الوجوه القديمة في البال، لا لتوجع، بل لتبتسم، وكأنها تقول: ما زلنا هنا، في ذاكرة الحنين، نعيش رغم المسافة.
هو صديق القلوب المرهقة، ودفء الذين يخافون الوحدة.
يعلّمنا أن السكون ليس فراغًا، بل امتلاءٌ بالمعاني التي لا تُقال، وأن بعض الصمت أصدق من كل الكلمات.
حين يتسلل ضوء المطر إلى أعماقي، أفهم أن نوفمبر لا يأتي عبثًا، بل ليذكّرني أن الحبّ ممكن مهما اشتدّ البرد، وأن بعض الفصول خُلقت لتُربّت على قلوبنا بهدوء.
نوفمبر… ذاكرة الحنين التي لا تنام، والفصل الذي يعلّمني كل عام أن ما يلمس القلب بصدقٍ، لا يزول أبدًا.