نماء أبوشامة تكتب: الحارث.. حين يتحدث السودان في الأمم المتحدة
ليس كل من يقف خلف المنابر يحمل وطنًا في صوته،
لكن الحارث حين تكلّم… تكلّم السودان.
في تلك اللحظة التي ارتجّ فيها مجلس الأمن، لم نرَ دبلوماسيًا يقرأ بيانًا، بل رأينا وطنًا كاملًا ينهض من رماده.
رأينا الفاشر الجريحة، وبارا الصامدة، وقلوب السودانيين جميعًا تصفق له في صمتٍ مهيب.
كان يتحدث بثباتٍ يشبه الجبال، وبصدقٍ يشبه دموع الأمهات، وبإيمانٍ لا يلين:
“ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”.
لم يكن الحارث سفيرًا فحسب، بل كان ضمير الوطن في قاعةٍ امتلأت بالمتناقضات، وصوت الحقيقة الذي اخترق جدار التواطؤ.
قالها كما هي، بلا ترددٍ ولا تجميل:
دولة الإمارات التي تتفاخر بالأبراج وغسيل الأموال لا يمكن أن تجلب نصرًا، لأن النصر لا يُشترى… النصر يُصنع بالحق، لا بالذهب ولا بالسلاح، وحين كان السودان يتحدث من عمق تاريخه، من أرضٍ ضاربةٍ في الجذور والحضارة،في وقتٍ لم يكن للامارات وجودٌ يُذكر في صفحات التاريخ.
كانت كلماته درسًا في الكبرياء والعزة، لا في العداء،ورسالةً للعالم أن السودان الذي علّم الدنيا معنى الكرامة لا يُقاس بعمرٍ قصير ولا بمالٍ وفير،
بل بتاريخه الذي كتب بالبطولة والدم والصدق.
كلماته أشعلت فينا شيئًا كدنا نفقده — الإحساس بأن السودان ما زال شامخًا رغم الجراح.
ذلك الصوت لم يكن حارثًا وحده، بل كل جندي في الميدان، وكل أمٍّ تنتظر ابنها، وكل طفلٍ يكتب على دفاتره حلم الوطن الكبير.
أيها الحارث، أنت لم تمثلنا فحسب،
أنت نطقت باسمنا حين خنقنا الألم،ودافعت عنا حين صمت العالم.
كنت الوجه الأصيل للسودان الحر، وذاك الصوت الذي لا يُهادن ولا ينحني.
سلامٌ عليك يا صوت الوطن في الأمم المتحدة،وسلامٌ على كل من حمل همّه بشرفٍ ونطقه بشجاعة، وسيبقى السودان حاضرًا.. عاليًا.. عزيزًا لا يقهر بإذن الله.