خارج النص
يوسف عبد المنان
مستقبل الورق
في جلسة حوارية جمعت عدداً من الصحافيين بنخبة من ضباط إدارة الاستخبارات العسكرية، من الدارسين في معهد الاستخبارات الذي واصل عمله حتى في ظروف الحرب عبر دورات تدريبية متخصصة في الإعلام وقضايا الرأي العام وصناعة الصحافة والمحتوى وتغطية حرب الكرامة بين النجاحات والقصور. ولأن الجيش مؤسسة علمية وليست مليشيا، ظلت المعاهد العسكرية وكليات القادة والأركان والأكاديمية العليا منارات تشع بالمعرفة والتنوير والتثاقف.
بدعوة من العميد الركن معتصم بابكر مدير المعهد، حضر صحافيون وصحافيات بينهم صلاح التوم من الله، د. طارق البحر، الحاج الشكري، إحسان الشايقي وإنصاف عبد الله، حيث جرت حوارات تفاعلية مع أكثر من خمسين ضابطاً من رتبة الملازم أول وحتى الرائد. هؤلاء الضباط، وهم نخبة من النجباء، وضعوا الصحافيين في امتحان عسير بأسئلة عكست وعياً عميقاً وإدراكاً راسخاً لمؤسسة الجيش بقضايا الوطن.
من بين ما طُرح: هل من عودة للصحافة الورقية في السودان؟ أم أنها انتهت وصارت مجرد ذكريات من الماضي؟ وهل من يحتفظ اليوم بنسخة ورقية في بيته يملك شيئاً نادراً وثميناً؟
اختلفت آراء الصحافيين؛ فالصحافة صناعة ذات أبعاد اقتصادية وتجارية وسياسية وثقافية. لكن المؤكد أن الصحافة الورقية آخذة في التلاشي لتحل محلها الصحافة الإلكترونية وصحافة الموبايل، بل حتى الإذاعات تتراجع، والقنوات التلفزيونية تميل إلى أن تصبح “تلفزيون الرجل الواحد”. وفي السودان فشلت الصحافة حتى في تغطية انطلاق الرصاص في منتصف أبريل قبل عامين، عندما اندلعت الحرب التي استهدفت دور الصحف والمطابع، واستهدفت الصحافيين قتلاً واختطافاً، ودَفعت بهم إلى النزوح خارج العاصمة. تمزق كيانهم، حتى اتحادهم غادره معظم الأعضاء ولم يبق إلا اثنان أو ثلاثة مثل عبد الماجد عبد الحميد وهدية علي، وكلاهما من المغضوب عليهم من اتحادهم نفسه.
يبقى السؤال: هل الصحافة الورقية ضرورة اليوم؟ وهل يملك العاملون في المهنة الإرادة والقدرة المالية لإصدار صحيفة واحدة؟ يتفق الجميع أن صحافة الأخبار والتحقيقات والمنوعات والرياضة قد انتهت إلى غير رجعة. لكن ربما تعود بعض الصحف بعدد محدود لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة إذا تبنّت منهجاً جديداً يخاطب النخب والمثقفين ويلبّي احتياجاتهم الثقافية والسياسية.
قد يكتب لمثل هذه الصحف النجاح إذا اعتمدت على تحليل الأحداث وقراءة ما وراء الأخبار، وقدّمت مقالات رصينة يكتبها أصحاب معرفة، وخدمة معلوماتية تخاطب القارئ الجاد الذي يبحث عن العمق، لا عن غثاء أخبار “الواتساب” و”الفيسبوك” وأخواتهما. لكن لا بد أن تصدر عن مؤسسات قادرة مالياً على تغطية نفقات الطباعة دون الاعتماد على الإعلان وحده. الجامعات، شركات الاتصالات، القوات النظامية، بل وحتى الأحزاب – رغم غيابها – يمكنها أن تكون طرفاً في دعم هذا النموذج.
غير أن د. طارق البحر يرى أن كل ذلك مجرد أحلام تجاوزها الواقع. ويبقى السؤال مفتوحاً: هل للصحافة الورقية في السودان مستقبل؟