سودانيون

ياسر محمد محمود.. يكتب… كيـف تُبنـى الأوطـان؟

ياسر محمد محمود.. يكتب… كيـف تُبنـى الأوطـان؟

فى أقصى الشمال الشرقى من الهند فى ولاية آسام عاش رجل فقير يُدعى جاداف مولاى باينغ لم يكن عالم بيئة ولا يحمل شهادة جامعية بل كان مزارعًا بسيطًا ابنًا للأرض لكن قلبه كان غابة من الحُلم ففى عام ١٩٧٩ وبينما كان شابًا في أوائل العشرينات شهد مأساة طبعت روحه للأبد فيضان مدمر اجتاح نهر براهمابوترا جرف الأشجار ودمّر الحياة البرية وفى اليوم التالى رأى جثثًا لأنواع من الثعابين والحيوانات ملقاة على ضفاف النهر تموت من الحرارة والعطش وفقدان المأوى

حينها لم يرفع رأسه ليبكي بل نظر إلى التراب وقرر أن يزرع

لم يكن لدى مولاي مال ولا أدوات متطورة حمل حفنة من البذور ومضى إلى جزيرة رملية مهجورة في وسط النهر الجميع ظنوه مجنونًا كيف لرجلٍ واحد أن يزرع غابة فى أرض يابسة قاحلة لا ظل فيها ولا قطرة ماء؟ لكنه لم يسمع إلا صوته الداخلى كان يزرع الاشجار كل يوم وحين يتعب كان يتذكر وجوه الحيوانات النافقة

زوجته بيجوم روى شريكة الرحلة لم تتركه وحيدًا كانت تسقى الشتلات الصغيرة بإناء من الماء تحمله على رأسها وتساعده على حماية الأشجار من العواصف والحيوانات

مرت الشهور ثم السنوات ولم يتوقفا

بعد سنوات من الجنون بدأت الحياة تهمس من جديد ببطء بدأت التربة تتنفس والعصافير تغرد والجذور تتشابك تحت الأرض فى تآلف صامت عاد الظل ثم عادت الزواحف ثم الطيور ثم النمور والأفيال البرية نعم الأفيال بدأت تأتى من على بعد مئات الكيلومترات بحثًا عن ملاذ آمن فوجدته فى غابة زرعها زوجان فقط

في عزلة تامة دون تمويل أو شهرة كانا يُنبتان الحياة من قلب العدم

ذات صباح استيقظ مولاي على صوت اهتزاز الأرض كانت قطيع فيلة بريّة يعبر الغابة لم يكن منظرًا مخيفًا بل كان لحظة انتصار كانت الطبيعة تقول له شكراً لقد أعدتِ لى البيت فى الغابة عاد وحيد القرن وعاشت أكثر من ١٠٠ نوع من الطيور والثعالب والغزلان الغابة أصبحت موطنًا حيًا نابضًا لا تصنعه إلا يدٌ تحب بصدق

ما بدأه رجل واحد صار اليوم غابة تمتد على أكثر من ٥٥٠ فدانًا أي ما يعادل مساحة مدينة صغيرة تُعرف عالميًا باسم (غابة مولاي) وتعدّ من أكبر الغابات التى زرعها إنسان بمفرده فى التاريخ الحديث*

*تم تكريمه من قبل الحكومة الهندية ومنحته الأمم المتحدة أوسمة تقدير وتحوّلت قصته إلى أفلام وثائقية لكنه في كل مرة يُسأل فيها

 لماذا فعلت ذلك؟ يجيب ببساطة (الحياة كانت تختفى ولم أتحمل أن أقف مكتوف اليدين هذه ليست مجرد قصة بيئية إنها ملحمة إنسانية عن زوجين اختارا أن يزرعا بدل أن يشكوا أن يمنحا بدل أن ينتظرا أن يُعيدوا التوازن إلى الطبيعة في زمن فقد فيه العالم هذا الحس العميق بالانتماء*

هكذا تبنى الأوطان هكذا تعمر الأرض هكذا تعاد الحياة الى الحياة فالأوطان لاتبنى بالشعارات يا جماعة حنبنيهو*

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.