ياسر الفادني… يكتب… قبورُُ بِلا أسماء ودماءُُ بلا كَفَن
في قلب مدينة ودمدني، حيث يفترض أن يعلو صوت الحياة والعلم والعمل، تتكشّف يوماً بعد يوم فصول مروّعة من مسلسل الرعب الذي أخرجته وأنتجته وأخرجت شياطينها ما تُعرف زوراً وبهتاناً بـ”ملي شيا الدع م الس ريع”. هذا الكيان الشيطاني، الخارج عن كل عرف أو دين أو قانون، لم يكتفِ بتدمير المدن وسرقة الممتلكات وإغتصاب النساء… بل أوغل في دماء الأبرياء حتى غدت الأرض ترفض إحتضان جثثهم كما يرفض التاريخ تبرئة قاتليهم
الآن، السلطات الشرعية تنبش مقابر جماعية خلف سجن ودمدني القومي ، سجن كان من المفترض أن يكون رمزاً للعدالة لكن خرجت منه الحقيقة بأظافر الموتى وصمت الجثث المحطمة: هنا، قتلت المليشيا وهنا دفنت، ثم أطبقت التراب على الفضيحة وغادرت كما تفعل الذئاب بعد الوليمة، ضحايا جدد يُكتشفون، بعضهم بلا أسماء، بلا وجوه، بلا ضوء… دفنوا عشوائياً كأنهم فضلات جريمة قذرة خافت المليشيا أن تُفضح
لم يكن ذلك أول المقابر، ولن يكون آخرها… فقد سبق أن نُبشت قبور في حي الزمالك، تضم رفات طلاب ومعلمين، نعم! طلاب… من حملوا الأقلام فكسرت الملي شيا أعناقهم، ومعلمين… من رسموا للجيل نوراً فدفنتهم الملي شيا في ظلمة لا تنتهي
بأي دين تُذبح النفوس؟ بأي مبدأ تُرمى الجثث في حفر؟ بأي قانون تدار هذه العصابة المتوحشة التي إستبدلت الأوطان بالكنوز، والمواطنين بالغنائم؟ إن ما فعلته ملي شيا الدعم السريع ليس تمرداً مسلحاً، بل مشروع إبادة جماعية ممنهج لا ينتمي إلا إلى قاع الإجرام السحيق
والسؤال الذي لا بد أن يُطرح الآن: كم من القبور لا تزال تنتظر أن تُفتح؟ كم من الصرخات مطمورة تحت التراب؟ كم من الآباء لا يعرفون أن أبناءهم مرميون بجانب سور سجن كان من المفترض أن يحميهم؟
إني من منصتي أنظر …حيث أرى…. أن ما حدث ويحدث في ودمدني ليس مجرد خبر… إنه جريمة تاريخية بحجم وطن ، جريمة لا يمكن أن تُطوى في أرشيف النسيان ولا تُغسل بالمطر ولا تُغفر أبداً، فالمليشيا، بممارساتها هذه، تجاوزت كل المدى… وانحدرت من خانة “التمرد” إلى قاع “الوحشية” ، رحم الله الشهداء… والخزي والعار للمليشيا شيا التي ماتت فيها الرحمة منذ ولادتها، والتي لن تُمحى جرائمها، ولو دفنت ألف مرة.