يوسف عبدالمنان…. يكتب… حديث السبت
هذا ما حدث ظهر الجمعة في بابنوسة القمير
سقطت المليشيا في أخلاق الحرب والبرهان مطالب بهذا القرار
لما إختفى الفريق شمس الدين كباشي وياسر العطا من المشهد؟
١
ظهر الجمعة، العشرين من يونيو 2025، سيخلد في سجلات التاريخ العسكري السوداني كأحد أعظم أيام البطولة والانتصار، حين تجلت الإرادة الإلهية وعزيمة الرجال في معركة بابنوسة القمير. وقد تحققت في رجال الفرقة 22 قوله تعالى: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”. صبر الفرسان وصمدوا أمام موجات السيل البشري المدعوم بسلاح وعتاد إماراتي، وحشود من المقاتلين تم استجلابهم من الفاشر ونيالا والمجلد والضعين والدبيبات، وتم إغراء المليشيا بالمال ووعدهم بالغنائم. المليشيا شنت الهجوم مع فجر الجمعة بما يقارب خمسمائة عربة مسلحة، وعلى ظهر كل عربة عشرة مسلحين مدججين بمختلف أنواع الرشاشات والمدافع.
لكن الفرقة 22 كانت قد استنبطت مدرسة خاصة في صيد الجنجويد، ووضعت خطة دقيقة، وفتحت أمام المليشيا أبواب المنطقة التي تحولت إلى أطلال، إذ قضت المليشيا على المدينة كحياة نابضة، وبقيت رمزية الفرقة صامدة، رغم البروباغندا المصورة التي نشرتها المليشيا عن “سقوط” الفرقة. هذه المرة دعت المليشيا اللصوص والباحثين عن المال الحرام للدخول لجمع الغنائم، فتدفق سيل بشري من المشاة وراكبي الدواب والعربات المدنية والكارو، في مشهد فوضوي نحو الفرقة. لكن جنودها كانوا في الخنادق، مستعدين. واندلعت معركة بين الكثرة والشجاعة، بين الحق والطمع، بين أبناء المسيرية وبقية السودانيين في مواجهة الجنجويد ومقاتلين من دارفور وكردفان وتشاد.
ثلاث ساعات من القتال الصلب كانت كافية لتحويل بابنوسة إلى مقبرة، حيث سقط أكثر من ألف قتيل من المليشيا، وغنمت القوات المسلحة 22 عربة إماراتية، ودمرت المدفعية 20 أخرى أمام خطوط دفاع نمور غرب كردفان. وكانت المعركة بمثابة تأكيد على أن الإيمان بالقضية ينتصر على كثرة العدد، وأن مزاعم دعم المسيرية للمليشيا محض كذبة إعلامية. أبناء المسيرية يمثلون أكثر من 70% من الفرقة 22، بقيادة اللواء معاوية، أحد أعمدة الصمود العسكري. وباسم الشعب السوداني، نطالب الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالمصادقة الفورية على ترقية جميع منسوبي الفرقة 22، ومنسوبي الفرقة السادسة في الفاشر، ليترقى اللواء معاوية إلى رتبة فريق، والعميد حسن درمود إلى لواء، والصول عثمان صباحي إلى ملازم، والوكيل عريق هارون موسى إلى عريف، عرفاناً لما قدموه في معركة ستظل خالدة في ذاكرة السودان.
٢
تتزايد التساؤلات في الشارع السوداني حول غياب اثنين من أبرز رموز المؤسسة العسكرية، الفريق ياسر العطا، والفريق شمس الدين كباشي. كلا الرجلين كانا جزءاً من المشهد منذ سقوط نظام الإنقاذ، ولعبا أدواراً رئيسية في المعركة الوطنية ضد التمرد. الفريق ياسر العطا، الذي اشتهر بصراحته ومواقفه الواضحة، اختفى من الإعلام منذ شهرين، ويقال إنه في رحلة علاجية لابنه بعد الانتصار في معركة الخرطوم، التي خاضها ببسالة. لكن غيابه المفاجئ عن أم درمان التي يحبها وتحبه، وغيابه عن المشهد السياسي والعسكري، يطرح علامات استفهام كبرى، خاصة حول مصير التحالف السياسي الذي كان يُخطط له لجمع القوى الوطنية التي خاضت معركة الكرامة.
أما الفريق شمس الدين كباشي، الذي كان ممسكاً بملف الخدمة المدنية وإدارة شؤون الدولة، فقد توارى عن الأنظار منذ تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للحكومة الانتقالية. استقبله بحفاوة، في موقف يعكس ارتياحه لاختياره، لكن ابتعاده بعد ذلك يثير تساؤلات عن موقفه من العملية السياسية الجارية. هل ابتعد بمحض إرادته لإفساح المجال؟ أم أنه يتحضر لدور جديد في العمليات العسكرية المرتقبة بكردفان ودارفور؟ شمس الدين كباشي عرف بالمكر العسكري، والتخطيط، وله قاعدة شعبية بين الجنود والضباط، وكان إشرافه على عمليات الفاو وسنار فألاً حسناً. فهل يستعد فعلاً للإقلاع نحو عروس الرمال لقيادة معركة الحسم؟ اختفاء الرجلين في وقت حساس كهذا، حيث تقترب البلاد من مرحلة الحسم العسكري قبل موسم الخريف، لا بد أن يفسر بشكل أو بآخر، إذ لا يجوز أن يغيب القادة في لحظة مفصلية من عمر الوطن.
٣
في ظل المعادلات الجديدة، لم يعد مهماً من سيُعينه الدكتور كامل إدريس في مناصب الداخلية أو الدفاع أو التربية، بل الأهم هو أن يلتزم بشكل قاطع باتفاقية جوبا، ويكمل تنفيذها حتى نهاية الفترة الانتقالية، كما نصت بنود الاتفاق. لا بد لرئيس الوزراء أن يقدم برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً واضحاً، لأن أي حكومة بدون برنامج محكوم عليها بالفشل، كما فشلت حكومة حمدوك. ينبغي أن يختلي الدكتور كامل إدريس بنفسه لمدة أسبوع في منطقة أركويت، بعيداً عن ضجيج بورتسودان، ويكتب خطة حكومته بعد أن تحدث واستمع إلى الناس، ثم يعرضها أولاً على مجلس السيادة، الذي بدوره يجب أن يعيد ترتيب اجتماعاته الدورية ليشعر المواطنون بوجوده.
بعد ذلك، يمكن لكامل إدريس أن يقدم البرنامج لمجلس الوزراء، الذي يتحمل معه المسؤولية التضامنية. وفي ظل غياب البرلمان، يمكن اعتبار الاجتماع المشترك بين مجلس السيادة والوزراء بمثابة برلمان مؤقت، كما تنص الوثيقة الدستورية التي بقي منها نصفها فقط. بهذا الشكل، وبهذا الطريق، يمكن أن يقال بحق: لدينا رئيس وزراء لديه رؤية، ومسؤولية، وإرادة قادرة على إخراج البها. ٦ والله ان من النفق الذي يمر به.