سودانيون

ياسر الفادني يكتب…. متاوقة أو معاينة بالراقراق!

ياسر الفادني يكتب…. متاوقة أو معاينة بالراقراق!

في كلمته الأخيرة، وضع دكتور كامل إدريس النقاط على الحروف، معلنًا بوضوح أن حكومته القادمة ستكون خالية من الوجوه الحزبية.

 

قاطعًا الطريق أمام الأحزاب والكتل التي ظنت أن مائدة الحكم القادمة ستتسع لمدّ أيديها نحو الكيكة كعادتها، بهذا التصريح، أدبر ظهره لتلك الكيانات التي أدمنت تقاسم الغنائم، وجعل من المعيار الأساسي للاختيار الانتماء الوطني، لا الحزبي ولكن… هل ذلك ممكن واقعًا في السودان؟

 

 

 

السؤال الذي يتسلل كالشبهة: هل توجد شخصيات “تكنوقراط” حقيقية في هذا المناخ السياسي المعقّد؟ في بلاد كل سياسييها مشكوك في حيادهم، وكل من صعد إلى المسرح، خرج من يمين متطرف أو يسار متصلب؟ أين هو ذاك “الوسط” الذي بات يشبه فتحة عدسة المجهر: ضيقة، معقدة، ولا تكشف شيئًا إلا بعد فحص دقيق؟ نظريًا، ما قاله رئيس الوزراء يبدو قمة الاتزان والعقلانية، لكنه فعليًا يبدو كمن يريد زرع زهر في أرض ملغومة

 

 

 

السياسة السودانية في راهنها أصبحت ساحة لتبديل الجلود، والوجوه، والرايات. الغواصات الحزبية صارت مرضًا عضالًا، لا تكشفه إلا الكوارث، حزب يزعم أنه مستقل، ثم تكتشف بعد حين أن قياداته تنهل من معين الشيوعيين أو الإسلاميين أو البعثيين، وما حدث لحزب الأمة القومي مثال حي؛ إذ اخترقه اليسار ببطء حتى انزاح عن موقعه الطبيعي، وصار يردد ما لم يكن يؤمن به في تاريخه القريب

 

 

 

الخطر الحقيقي أن يقع د. كامل إدريس في فخ “اللا محاصصة” التي تتحول بمرور الوقت إلى محاصصة مقنعة، فالمحاصصة ليست بالضرورة أن تكون معلنة؛ يكفي أن يتحرك شخص ما داخل جسم الدولة وهو يحمل في قلبه الولاء لحزب ما ليصير أخطر من الحزب نفسه، فهل يمتلك رئيس الوزراء الفلاتر اللازمة للكشف عن هذا النوع من “الولاء الخفي”؟

 

 

 

ما ينتظرنا على الأرجح هو مشهد جديد: أحزاب سياسية ستتخذ موقع “المتاوقة” من بعيد، تتفرس في تشكيل الحكومة كما يتفرس القط في صحن بعيد، لا يستطيع الوصول إليه ولا يريد الإعتراف أنه خارجه، أو ربما تتقمص وضعية “المعاينة بالراقراق”، تراقب من خلف الحواجز الشفافة، لا تدخل ولا تُقصى، تراهن على الزلات، وتصطاد الفرص

 

 

 

هذا الرقراق لا يُشبع، ولا يسمح بمرور الأجسام الثقيلة، من لم يدخل من الباب، فلن ينفذ من بين الثقوب، وهي المعادلة التي يبدو أن رئيس الوزراء يراهن عليها… فهل يفلح؟ لنا بعد التشكيل حديث أوضح

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.