تقرير : سودانيون ميديا
القرار يثير جدلاً قانونياً وسياسياً… والخرطوم تتعهد بالتصعيد في محافل دولية اخرى
في سابقة قانونية ذات أبعاد سياسية ودبلوماسية عميقة، قضت محكمة العدل الدولية بشطب الدعوى المقدمة من السودان ضد دولة الإمارات، على خلفية اتهامها بالتورط في ج رائم إب ادة جماعية بدارفور. ورغم أن المحكمة استندت إلى أسباب فنية تتعلق بالاختصاص، فإن القرار أثار جدلاً واسعاً داخل أروقة القضاء الدولي، وسط انقسام في الآراء بين القضاة، وردود فعل حادة من الخرطوم التي أكدت أن “شطب الدعوى لا يسقط المسؤولية”
تحفظات قانونية
في الخامس مايو، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارًا بشطب الدعوى المقدمة من حكومة السودان ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي اتهمت فيها الإمارات بالتواطؤ في ج رائم إبادة جماعية ارتكبتها الملي شيا المتم ردة بحق عرقية المساليت في غرب دارفور.
استند قرار المحكمة إلى عدم الاختصاص، نتيجة لتحفظ الإمارات على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وهي المادة التي تمنح المحكمة صلاحية النظر في النزاعات بين الدول الأعضاء.
انقسام قضائي
جاء القرار بأغلبية ضئيلة بلغت 9 قضاة مقابل 7، في حين رُفض طلب السودان باتخاذ تدابير مؤقتة بأغلبية 14 صوتًا مقابل صوتين فقط.
ورغم أن المحكمة أعربت عن قلقها إزاء الوضع الإنساني في السودان، إلا أنها شددت على أن اختصاصها القضائي مقيّد بتحفظات الدول الأعضاء .
ومن أبرز الأصوات المعارضة لقرار الشطب هو القاضي عبد القوي يوسف، الرئيس السابق للمحكمة، الذي اعتبر أن القرار يُقصي العدالة الإجرائية عن الضحايا، قائلاً: “العدالة لا تُبنى على إجراءات شكلية فقط”.
أبوظبي ترحّب
رحبت دولة الإمارات بقرار المحكمة، معتبرة أن الدعوى لا أساس لها من الصحة وتحمل دوافع سياسية واضحة.
وصرّحت ريم كتيت، نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، أن “القرار يمثل رفضًا لمحاولة السودان استغلال المحكمة لنشر معلومات مضللة”، وشددت أنها “لا تدعم أي طرف في الح ر ب السودانية” ومشددة على الالتزام بالقانون الدولي والعمل الإنساني في المنطقة .
القرار إجرائي لا يُبرئ
في المقابل، أكدت وزارة الخارجية السودانية أن قرار المحكمة لا يمثل حكماً ببراءة الإمارات من التورط في ج رائم الإبادة الجماعية، بل يعكس تحديات قانونية تتعلق بتحفظات الدول على بعض مواد الاتفاقيات الدولية.
فيما أوضح وزير الإعلام السوداني، خالد الأعيسر، أن السودان “سيواصل ملاحقة الإمارات عبر مسارات قضائية بديلة”، مضيفاً أن “القرار جاء لأسباب إجرائية وليس لانتفاء الجريمة”
ردود افعال عالمية
تناولت وسائل الإعلام العالمية القرار من زوايا مختلفة، حيث اعتبرته بعض المنصات “صفعة قضائية” للسودان، فيما رأت فيه أخرى تكريساً لثغرات النظام القضائي الدولي في التعامل مع النزاعات ذات الطابع السياسي والإنساني.
واخرون يرونه انتصاراً دبلوماسياً لأبوظبي، فيما راه البعض ظلما واضحا تعرض له السودان لكنه كشف في الوقت ذاته عن ثغرات مقلقة في النظام القضائي الدولي. صحيفة The Guardian البريطانية اعتبرت القرار “سابقة قانونية خطيرة” قد تقوّض جهود العدالة الدولية، فيما رأت Al Jazeera وMiddle East Monitor أن التحفظات القانونية استُخدمت كدرع يحول دون محاسبة محتملة على ج رائم خطيرة . وبرزت دعوات متزايدة لإعادة النظر في آليات التحفظ على الاتفاقيات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بالإب ادة الجماعية .كما دعت بعض الجهات الدولية إلى ضرورة إنهاء الصراع في السودان، واستثمار الدعم الدولي لتحقيق الاستقرار بعيداً عن النزاعات القانونية .
خيارات السودان
رغم قرار لاهاي، لا تزال أمام السودان مجموعة من الخيارات القانونية والدبلوماسية لمواصلة السعي لتحقيق العدالة كما يراها بعض اهل القانون . من أبرزها إعداد ملف قانوني شامل حول جريمة الإب ادة الجماعية في غرب دارفور، يتضمن الشهادات والوثائق والأدلة الجنائية والتقارير الحقوقية والطبية . والتعاون مع منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية لتوثيق الجريمة وتدويلها .
اهميه إطلاق حملة إعلامية دولية لكشف الأبعاد الكارثية للإبادة بحق المساليت، وتحريك الرأي العام العالمي ضد استمرار الإفلات من العقاب .
نهاية المطاف
إن شطب الدعوى أمام محكمة العدل الدولية لا يُعد نهاية المطاف، بل يُمثل محطة في مسارات طويلة نحو ترسيخ مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، لا سيما في ظل الج رائم المروعة التي طالت الآلاف من أبناء المساليت وغيرهم من الأبرياء في إقليم دارفور .
هذه الدماء تمثل مسؤولية أخلاقية وسياسية لا تسقط بالتقادم ولا تُطوى بقرار إجرائي.وفيما يسعى السودان، وهو يمر بأحد أعقد مراحله، إلى الحفاظ على ما تبقى من سلطة القانون وكرامة الضحايا، يبقى الأمل في أن تُثمر الجهود السياسية والدبلوماسية في إعلاء صوتهم، وإعادة الاعتبار للعدالة الدولية، لا كمسار قانوني فحسب، بل كقيمة إنسانية لا تُساوَم .