متابعات : سودانيون ميديا
لا تعني الادنة في كل الاحوال التضامن بل احيانا تاتي في اطار تأمين المصالح او تحجيم نفوذ بعينه – خاصة ان عالم اليوم تربطه المصالح قبل القيم .
بعد احداث بورتسودان، امس
تسارعت الادانات الدولية والاقليمية للحادث والبعض وصفها بانها مهدد للامن الاقليمي . فالمدينة التي تطل على البحر الأحمر، تحولت من ملاذٍ آمن نسبيًا إلى مسرح للتصعيد العنيف، وسط أزمة سودانية داخلية تتشابك خيوطها مع مصالح وأجندات إقليمية ودولية. فالادانات فتحت بابا للسؤال هل تنبع من مواقف حقيقية ام حركتها المصالح والخوف من التأثير على سواحل البحر الاحمر . خاصة ان الحرب لها اكثر من عامين ولم تحدث مواقف ادانة حقيقية من شانها الجام المل يشيا والداعمين .
تصعيد واصداء
عقب التصعيد توالت الادانات من الاتحاد الافريقي ومجلس التعاونوالخليحي والسعودية ومصر وقطر والكويت وايران وغيرها اتفقت كل الادانات على تاثير الاحداث على المنطقة والاقليم وكان ياتي ذكر الشعب السوداني باعتبار من المتضررين .
فمن الإدانات يبدو ان الدوافع متعددة، تتجاوز البعد الإنساني إلى حسابات استراتيجية دقيقة. فهل تعكس هذه المواقف موقفًا أخلاقيًا من الانتهاكات، أم أنها تعبير غير مباشر عن مخاوف تتعلق بالمصالح الاستراتيجية على ساحل البحر الأحمر؟ هذا السؤال الذي تردد كثيرا عقب الادانات دون اجابة قطعية .
أمن البحر الأحمر: خلفيات القلق الدولي
رغم أن خطابات الإدانة ركزت على حماية المدنيين واحترام القانون الدولي، فإن القراءة الاستراتيجية تكشف عن دوافع أعمق، أبرزها البحر الأحمر كأولوية استراتيجية:بورتسودان، بموانئها الحيوية، تقع على ممر ملاحي عالمي حساس. أي اضطراب فيها يهدد استقرار الملاحة ويضر بمصالح دول مطلة كالسعودية ومصر ودول الخليج. فلذلك الخوف والتوجس من تصدير العنف:ثمة خشية من أن تتحول المدينة إلى نقطة تفريغ للصراعات، أو بوابة لتدفق الجماعات المتمردة نحو السواحل.
سباق النفوذ
سباق النفوذ الإقليمي هو الاخر كان حاضرا على ساحل البحر : فتدهور المشهد الأمني في شرق السودان يفتح المجال أمام بعض القوى الإقليمية لإعادة التموضع الاستراتيجي أو تعزيز نفوذها على حساب أطراف أخرى لذلك ياتي التخوف والقلق الظاهر من البيانات .
مواقف متباينة
الاتحاد الإفريقي رغم مواقفه السلبية في الحرب منذ اندلتعها الا انه كان حاضرا بيان الادانة امس فهل هو موقف رمزي ؟ ام يمتلك دون أدوات تنفيذية يمكن فرضها على المتسببين . خاصة ان بعض الدول ذات العضوية والحضور تعد فاعلة ومؤثرة في الصراع .
مجلس التعاون الخليجي:
كان حاضرا بيانه رغم ان احد اعضائه يعد المتهم الاول وصاحب التأثير الاقوى في الحرب وبالمقابل احد اعضائه يقع عليه تأثيرا مباشرا من اي اعمال عنف في سواحل البحر الاحمر لذلك كان السؤال هل الادانة تدخل في اطار العلاقات العامة ام تنبع من موقف ثابت ؟
الكويت: تبنت خطابًا متزنًا، دعت فيه إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار، انسجامًا مع سياستها التقليدية القائمة على الحياد والدبلوماسية الهادئة .
مصر: هاجس الأمن القومي
حسب بيانها تتابع القاهرة التطورات بقلق بالغ، فهي بلا شك تخشى من تداعياته الأمنية المباشرة أو موجات نزوح غير منظمة قد تضغط على حدودها، فضلًا عن تأثيرات محتملة على توازنات حوض النيل.
هل تكفي الإدانات لردع الرعاة الإقليميين؟
حتى الآن، تبدو الإجابة سلبية. فالإدانات – مهما بلغت قوتها البلاغية – تبقى بلا أثر فعلي ما لم تتبعها خطوات عملية تتمثل في فرض عقوبات فعّالة،وإطلاق مبادرات دولية ذات مصداقية،أو تشكيل آليات لمراقبة الانتهاكات ومحاسبة المتورطين . لان الواقع يُظهر غياب الإجراءات العملية، وازدواجية بعض المواقف، حيث تدين دولٌ معينة العنف بينما يُتهم بعضها بدعم أطراف متورطة فيه. كما أن غياب التنسيق الدولي يجعل من الردع مهمة صعبة، في ظل عدم وجود إجماع حقيقي أو تحرك جماعي متماسك.
أزمة أكبر من الإدانات
تعكس الإدانات الدولية لأحداث بورتسودان قلقًا مشروعًا من تصاعد الصراع في منطقة شديدة الحساسية، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن ضعف الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي لتغيير المعادلة.
وبينما تُرفع الشعارات باسم القانون الدولي، تظل خرائط النفوذ تُرسم خارج إطار الشرعية.
فالمشكلة ليست فقط في من يُشعل فتيل الح ر ب، بل في أولئك الذين يملكون القدرة – ويمتنعون – عن إطفائه