سودانيون

نتائج الشهادة السودانية 2023 المؤجلة… أمل يولد من الركام

أسراء في الصدارة و”ح ر ب الك رامة” تمتد إلى قاعات الامتحانات

في ظل ظروف أمنية وإنسانية بالغة التعقيد، جاء إعلان نتائج الشهادة الثانوية للدورة المؤجلة لعام 2023 بمثابة شعاع ضوء وسط ظلمة الح ر ب، ودليلاً حيّاً على انتصار الإرادة الوطنية رغم التحديات.
فقد تمكّن آلاف الطلاب والطالبات من أداء امتحانهم المصيري، متحدّين النزوح، وانقطاع الخدمات، وانهيار البيئة التعليمية، في لوحة جسّدت الصمود السوداني، وأثبتت أن التعليم لا يعرف التراجع حتى في أحلك اللحظات. وبينما تمتد سُحب الصراع لتغطي سماء الوطن، جاء نجاح الطلاب كفجرٍ يُضيء الطريق، شاهداً على عزيمة لا تلين لدى جيلٍ يؤمن بأن التعليم هو السبيل الوحيد للنهوض، وأن الأمل لا يُقهر مهما اشتد الظلام.

أرقام تبشّر… ورسائل أمل

في مؤتمر صحفي عُقد بالعاصمة الادارية بورتسودان، كشفت وزارة التربية والتعليم عن نتائج الشهادة، حيث بلغت نسبة النجاح في المساق الأكاديمي 69.8%، توزعت على النحو التالي:المدارس الحكومية: 69.8%والمدارس الخاصة: 69.3%واتحاد المعلمين: 66.6% وطلاب المنازل: 70.4%
أما من حيث النوع، فقد تفوّقت الطالبات بنسبة نجاح بلغت 70.3%، مقارنة بـ 66.5% للطلاب، ليبلغ المعدل العام 69%.
وفي باقي المسارات (الفنية والدينية والحرفية)، تراوحت نسب النجاح بين 57% و93%، لتصل النسبة العامة في مختلف الشهادات الدراسية إلى 77.5%، رغم ما واجهته العملية التعليمية من تعقيدات في ولايات دارفور والخرطوم وكردفان، نتيجة الح ر ب والنزوح والانقطاع المدرسي. أوائل الشهادة… نجوم في سماء الوطن

تصدّرت الطالبة أسراء حيدر محمد أحمد من مدرسة المتفوقات بدنقلا – الولاية الشمالية، قائمة الأوائل بنسبة 97.1%.
وجاءت في المركز الثاني أسماء طارق القاسم إبراهيم من مدرسة طوارئ الجامعة الإسلامية – ولاية الخرطوم بنسبة 97%، تلتها وعد محمد أحمد علي من المدرسة القنصلية العامة بدبي بنسبة 96.7%.

وفي المسار الديني، أحرز محمد الرشيد المركز الأول في شهادة الدراسات الإسلامية بنسبة 80.9%، فيما حققت آسيا الدشين المركز الأول في شهادة الدراسات الإسلامية الأهلية بنسبة 95.8%.

وفي التعليم الفني، تصدّر حاتم محمد دهب عبد الغفور من مدرسة حلفا الجديدة الزراعية – كسلا، المساق الزراعي بنسبة 68.8%، بينما أحرزت سماح أبو زيد من معهد كسلا الحرفي بنات، مجموع 545 درجة في المساق الحرفي.

لم تكن هذه الأسماء مجرد مراتب متقدمة، بل تحوّلت إلى رموز للنجاح في زمن الدمار، وقدوة للشباب في الداخل والخارج، خصوصاً في معسكرات النزوح ومناطق النزاع. فقد مثّل نجاحهم ثمرة لإيمانهم بالتعليم، وصمود أسرهم، وتفاني معلميهم الذين أدّوا رسالتهم في ظروف استثنائية.

انتصار جماعي للمعلمين والأسر

هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الجهود المضنية التي بذلتها الأسر في رعاية أبنائها، والدور البطولي للمعلمين والمعلمات الذين واصلوا أداء رسالتهم رغم كل العقبات.
ففي ظل النزوح، وتشتّت المدارس، وانقطاع المرتبات، وانهيار الخدمات الأساسية، تمكّن أبناء السودان من تجاوز العوائق وتحقيق نتائج فاقت التوقعات.
لم يكن النجاح مجرد تفوق أكاديمي، بل إنجازاً وطنياً يبعث برسالة واضحة: العلم لا يُهزم، حتى في زمن الح ر ب.

فرحة رقمية… ووحدة وطنية عابرة للجغرافيا

مع إعلان النتائج، ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بموجات من الفخر والاعتزاز، حيث تداول السودانيون صور الأوائل وقصصهم الملهمة.
لحظة وطنية جامعة، أعادت التذكير بأن التعليم لا يزال مساحة للوحدة والأمل، والعلم هو القاسم المشترك في زمن الانقسام.

“ح ر ب الكرا مة”… تمتد إلى قاعات الامتحان

وفي كلمته خلال إعلان النتائج، وصف وكيل وزارة التربية والتعليم المكلف، د. أحمد خليفة، الحدث بأنه “فصل من فصول ح ر ب الك رامة”، مؤكداً أن نجاح عقد الامتحانات رغم ظروف الح ر ب يمثل انتصاراً للإرادة السودانية.

وقال خليفة إن الوزارة بدأت التحضير للامتحانات في سبتمبر 2024، بعد عامين من التأجيل بسبب ما وصفه بـ”الح ر ب التي تشنها ملي شيا الدعم الس ريع الإره ابية”. وأشار إلى أن إكمال الامتحانات في نهاية العام يُعد تحدياً تم تجاوزه بنجاح.
كما ثمّن دعم الشركاء من مؤسسات الدولة، ودور القوات المسلحة، واستضافة ولاية نهر النيل لمقر الوزارة، مؤكداً أن الشهادة الثانوية هذا العام كانت مع ركة وطنية شارك فيها كل السودانيين.

ختاماً… مستقبل يُبنى على الإرادة

في وطنٍ تتقاذفه الأزمات، يبقى التعليم هو الحصن الأخير والأمل الأصدق لمستقبلٍ أفضل.
لقد قدّم طلاب الشهادة لهذا العام درساً بليغاً في التحدي، وأثبتوا أن الاستثمار في الإنسان لا يتوقف مهما اشتدت المحن.
وإذ نحيّي جهودهم ونبارك لأوائلهم، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الدولة والمجتمع: تأمين استمرارية التعليم، حماية المدارس، ودعم المعلمين، لضمان أن لا ينطفئ هذا النور.
فالسودان، كما أثبت أبناؤه، لا يزال حيّاً… وقادراً على النهوض

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.