الفاشر تعني مجلس السلطان، وهي عندي تعني المسافة في العامية السودانية.. قال منصور يصف جملاً:
سدر الفي مريكيكا
الفاشر دي بمغيكا
والفاشر أسسها سلاطين الفور العظماء على الحب والتقوى وجلبوا لها العلماء من ريف مصر و المغرب وبلاد شنقيط.. وكانت قبلة العلماء والحجاج وطالبي الأرزاق.. وب(كوبى) سكن الأشراف الأفارقة (الزرق) ذوو النسب الفاطمي المحقق والمحرر تحرير الذهب.. وقد انتشروا في مناطق جبل حله والسطيحه والشريف كباشي والسعات.. وتتبعتهم في تلك المناطق وقابلت الشريف تاجو بعيال أمين وزرت السطيحه.. وفي تلك المناطق ولد سيدي الشريف حسين راجل أب زبد ودرس في خلوة الشيخ علي نحله بجبل حله.. وبالقرب منها جلس العلامة شيخ الإسلام محمد البدوي يدرس العلم الشريف بأبيض أم شنقه بعد عودته من الأزهر الشريف عبر طريق الأربعين إلى الفاشر قبل أن يعود أدراجه إلى الأبيض ثم إلى أمدرمان.
وجاء إلى الفاشر مجموعة من أقطاب الأمة المحمدية.. جاءها سيدي محمد المختار الشنقيطي الذي عمل لتلميذه العارف السلطان حسين سفيراً لدى الباب العالي، وجلس فيها سيدي محمد يسلما الشنقيطي دفين مليط الذي كتب له السلطان التركي فيرمانا يأمر فيه بإكرامه أينما حل، وخلفه أبناؤه سيدي منقه وسيدي محمد، وعمّر الزاوية بعدهم الشيخ الراحل إبراهيم سيدي الذي أسلم على يده وتتلمذ له البروفيسور أحمد التجاني الألماني المحاضر بجامعة بيرويت بميونخ.. وزار الفاشر مرارا سيدي العلامة محمد الحافظ التجاني المصري و وصفها بأنها قبلة.. وقال عنها سيدي الشريف حماه الله: إذا أردت حسن السمت والأبهة والطعام الجيد فأذهب إلى الفاشر وذلك يدل على تحضر وعراقة هذه المدينة الملوكية الباذخة.. وزارها عام52 سيدي ابن عمر حفيد سيدي أحمد التجاني ودعا لها بالبركة.. أخبرني شيخ طاعن من أهل الفاشر أن المكان الذي وقف فيه سيدي ابن عمر يدعو بالقرب من حفير الفاشر لايزال مخضرا لا يجف صيفا ولا شتاء من ذلك التاريخ وإلى الآن.
ومن الفاشر كانت تخرج صرة الحرمين وكسوة البيت الحرام.. واستمعت مرة للقاء رائع أخرجه لنا من كراكير سيرفرات الإذاعة السودانية الأستاذ عوض بابكر وهو لقاء أجراه الراحل الطيب محمد الطيب مع أحد سدنة هذا المحمل الشريف ذكر فيه عددا مقدرا من الصناديق المملؤة بالقطع الذهبية كانت من جملة ما يحمل في هذا المحمل.
الفاشر محصنة بالأذكار العالية وبعزيمة الرجال وأقداح الميارم المتصدقات بالطعام والصدقة تقي ميتة السوء.. وستظل الفاشر صخرة عصية تتكسر عليها قرون المؤامرات.