سودانيون

نايلة علي محمد الخليفة تكتب.. زاوية خاصة: الجزيرة رحلة الموت

زاوية خاصة

نايلة علي محمد الخليفة

الجزيرة رحلة الموت

قدر مواطن الجزيرة أن يدفع ثمن خيانة أبنائه مرتين ، المرة الأولى عندما إجتاحت المليشيا الإرهابية بقيادة كيكل مدينة ود مدني ، ومن ثم إنطلقت لمتبقى حواضر المحليات والقرى ، بحثاً عن الديمقراطية في منازل المواطنين ، فنهبت المخطوطات والمجلدات والحلي ، التي تحوي نقوش وفصول المدنية الضائعة ، وقتلت كل من يعترض على طريقة البحث عن الدولة المدنية المغتصبة ، والمرة الثانية عندما خرج كيكل ، عن ثوب الجنجويد وأعلن استسلامه ، فهذه المرة جاء الإنتقام قاسيا مهره دم المواطن ، وإذلاله وتهجيره من داره راجلا على قدميه ، نحو حلفا الجديدة والبعض إلى شندي ، وفي هذا المسير قصص من الأهوال والفقد بالموت، إما جوعاً وعطشاً او بالضياع.

يتفطر القلب حزناً عندما تجلس إلى القادمين من شرق الجزيرة ، وقد أنهك جسدهم طول الطريق ، وهم يقطعون القرى سيراً على الأقدام ، ومن يكن محظوظاً تسلم عربته الكارو من الاوباش ، فيحمل على ظهرها المُقعدين والصغار ، وذوي الإحتياجات الخاصة ، وينطلقون ليلاً ومن ثم يرتكزون نهاراً ، في أقرب قرية أو تحت ظلال الأشجار ، خشية أن يقعوا في يد الكلاب الدقلاوية المسعورة ، التي تنتشر نهاراً وتختفي ليلاً ، حتى لا يرصدها طيران الجيش.

أيام وليالي يقضيها الأهالي في الطريق ، فراراً بأنفسهم من جحيم الجنجويد ،  فسألت أحدهم عندما أسمى رحلتهم من شرق الجزيرة إلى حلفا الجديدة ، برحلة الموت لما فيها من مشاق وصعاب ، وفقدان بعض الكبار والصغار بالموت ، فقلت له طالما المصير واحد هو الموت لِما هجرتم دياركم واخترتم النزوح ، فقال بالحرف الواحد (إن جلسنا في ديارنا سنموت جميعاً ، لن يتركوا حتى الرضيع ؟ وتنتهك اعراضنا أمام أعيننا لذا أخترنا النزوح ، حتى ينجو البعض من الموت ، ويعود الشباب منا ومن له القدرة لحمل السلاح لتحرير الأرض والأخذ بالثأر).

أجساد منهكة عيون متعبة ، أرجل متورمة  ارواح فارقت الحياة في الطريق ، والبعض منها بعد أن وصل وجهته الأخيرة ، مفقودين لم يعرف مصيرهم حتى الآن ، بمختلف الأعمار كل هذا ثمن الديمقراطية والحكم المدني ، الشعار الكذوب الذي يتدثر به اوباش ومرتزقة آل دقلو ، ويحمل راية الدفاع عنه عصبة التقدميون ، التي يتجول قادتها في العواصم الأوربية ، لحملها على تمرير قرارات دولية تغطي على جرائم الجنجويد ، وتعيدهم تحالف آل تقدم وآل دقلو ، سادة لحكم السودان مرة أخرى.

ولاية الجزيرة ومواطن الجزيرة ،  هو مسرح الخطة (ب) الذي تحدث عنها الربورت ، في خطابه الأخير ، بعد فشلوا في كل مخططاتهم ، قدر الجزيرة الخضراء أن تكون أرض الموت ، والتهجير والإذال ، ولكن لن يدوم الحال طويلاً ستشرق شمسها ، وستعود الجزيرة الأرض والإنسان والخضرة ، ستعود الجزيرة وتحكي أسطورة الإنسان الذي كسر القيد ، ونهض فوق الجراح ليأخذ بثأره من الغاصبين تتار أفريقيا الجدد ، ستعود الجزيرة محمولة على أيدي القوات المسلحة ، وعلى أيدي أبنائها ، وكل شبر فيها يخلد  قصة شهيد وبطل.. لنا عودة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.