سهير عبد الرحيم تكتب.. خلف الأسوار: جيشنا… دُكُّوا بيتي
تسبب مجمع الرواد السكني الواقع غرب امتداد شارع الحرية ومحطة أبو حمامة في الخرطوم، الممتد جنوب مقابر الرميلة وشرق النيل الأبيض، تسبب المجمع في تأخر تقدم الجيش كثيرًا وفقدان الكثير من الشهداء بسبب نيران القناصة التي تنطلق من مبانيه.
المجمع، بسبب موقعه الاستراتيجي ومساحته الشاسعة، حال دون انفتاح الجيش شمالًا باتجاه أحياء القوز والرميلة والحلة الجديدة وسك العملة والمنطقة الصناعية وحتى الاستراتيجية وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.
كما تسبب في بطء اختراق الأحياء شمال شرق من السجانة والخرطوم ٣ والخرطوم ٢ وحي الزهور والعمارات وصولاً لمطار الخرطوم.
أيضًا، شكل خطراً كبيراً على القوات القادمة من المدرعات لدعم تحرير أحياء جبرة والعشرة والصحافات والامتداد.
تسببت نيران القناصة المرتزقة التابعين للميليشيا التشادية، المرتكزين داخل عمارات المجمع، في استشهاد الكثير من الضباط والجنود، ليس آخرهم الشهيد اللواء عمر النعمان، بطل هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، الذي كان يسير متقدماً على جنوده، فاستهدفه قناص واستشهد رفقة ثلة من شباب السودان الأخيار.
ارتفاع البنايات داخله حجب الرؤية بين العمارات، فانْدسَّ القناصة في جوفها، ووجود بدروم أسفل كل عمارة جعلها مستودعًا للأسلحة والذخيرة للميليشيا.
كما أن توفر مولدات الكهرباء ومستودعات الوقود وبئر ارتوازية ومول ضخم يحتوي على احتياطي كبير من المواد الغذائية، كل ذلك جعله نقطة استراتيجية للتشوين والاستعداد.
خارطة المجمع كالآتي يا جيشنا: العمارات على الأطراف، بينها شوارع مسفلتة وأشجار تتخللها أعمدة إنارة كانت عليها كاميرات مراقبة، أسفلها سيارات الميليشيا تطل على حديقة كبيرة في المنتصف، الحديقة بها حوض سباحة يستحم به المرتزقة وصالة مناسبات في الجانب الشرقي المتاخم للمسجد، وفي الجانب الغربي مولدات كهرباء ضخمة.
المسجد من طابقين، في الطابق العلوي قناصة يرتكزون باتجاه الجنوب، متاخم له ملحق خلفي به غرفة تحضير الجثامين قبل الدفن وغرفة لتحفيظ القرآن الكريم وسكن المؤذن ودورات المياه. شرقًا تقع ورشة لأعمال الإنشاءات وصيانة درابزين السلالم والبلكونات، تستخدمها الميليشيا حاليًا لصيانة السيارات المسروقة.
خلف الورشة باب سري غير معروف حتى لعدد كبير من السكان يُفضي إلى مباني إدارة المجمع. حين تهجموا على المجمع، استصحبوا إمكانية التفافهم خلفكم من مباني الإدارة.
أسفل كل عمارة يوجد بدروم ممتلئ بالأسلحة. المدخل لكل بدروم إما من بوابة خارجية أو عبر سلم طرفي، غالبية العمارات بها عدد ثمانية طوابق، بما فيها الأرضي، كل طابق به أربع شقق، وغالبية الشقق بها عدد اثنتين بلكونة تكشف الرؤية بصورة كبيرة جدًا، يمكن مشاهدة القادم من اللاماب أو وزارة الثروة الحيوانية أو أبو حمامة. كما أن مساحة المقابر الفاصلة تكشف الرؤية عن ما خلفها حتى قسم شرطة الرميلة.
يوجد قناصة في الطابق الخامس بالعمارة التجارية المطلة على المقابر، تكشف حتى القوارب في النيل. يعمل معهم متعاونون من أبناء المنطقة، للمجمع بوابتان، إحداهما كان بها تفتيش الشرطة سابقًا، حاليًا بها عربات الميليشيا، وبوابة ذكية لم يتم افتتاحها في هيكلها من أعلى غرف.
على أطراف المجمع، ومن الاتجاه الجنوبي الشرقي والجنوب الغربي، توجد أبراج مراقبة كانت تستخدمها الشرطة لحراسة المجمع من اللصوص. تلك الأبراج شبيهة بأبراج المدرعات وإن كانت أقصر قامة، والصعود إليها عبر سلم، ولا أدري إن كانت بها جوالات رمل أم لا.
عليه، يا جيشنا، دكوا هذا المجمع… دكوه ولا تأخذكم رأفة ببيوتنا… نعم، بيتي به، ولكن بيتي ليس أغلى من دماء الشهداء… بيتي به ذكرياتي ومدخراتي وحصاد العمر، ولكنه فداء لتحرير وطننا من المستعمرين الجدد.
دكوه يا جيشنا، فبيوتنا أقل قيمة من دموع أمهات الشهداء، بيوتنا منديل نمسح به دموع الأرامل واليتامى. بيوتنا جبر خاطر وتربيت على كتف من استشهد ابنها وزوجها، ومن استشهد أبوه وشقيقه وصديقه.
بيوتنا لا تساوي صرخات المغتصبات وأنين النازحين ومعاناة اللاجئين… فقدنا المتحف القومي والآثار والجسور والجامعات والمستشفيات وكل معالم الجمال والحضارة والتاريخ، فما قيمة منازلنا؟ أعلم أنه لا يحق لي التحدث باسم أصحاب بقية الشقق في المجمع، ولكنني أعتقد جازمة أن هذا لسان كل المحبين للسودان، للوطن، للجيش إلا من أبى.
أبطال المدرعات وهيئة العمليات والمستنفرين، دكوا منزلي… لتتحركوا بأمان… دكوا منزلي لتحرروا بقية الأحياء….دكوا منزلي ليعود الآخرون لمنازلهم…
خارج السور:
ما قيمة منزل دون وطن؟
* نقلاً عن (صوت السودان)
[…] نايلة علي محمد الخليفة […]