يعد الفنان مصطفى السني من الفنانين الذين يحرصون على تجويد أعمالهم وإخراجها بقيمة جمالية جاذبة، وهو صاحب صوت جميل مليئ بالشجن، صوت له نكهة مميزة بل وشديدة الخصوصية، صوت يتقطر روعة وعذوبة، وقدرات فنية مدهشة، يحمل كل صفات الفنان الأصيل “الصوت، والالتزام باختيار الكلمة واللحن والتطريب”، دوماً ما يصر على التميز في اختيار أغانيه، حريص على شكل مشواره الفني الذي يمشي فيه بخطة ذكية ومرتبة.
السني مؤمن برسالة الفن التي لا تخرج عن كونها رسالة إنسانية قيمة من شأنها معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية إذ يعتبر الفن سلاح قوي يمكنه أن يؤثر في تغيير المسارات والنتائج من حيث نشر الوعي بواسطة المثقفين والفنانين.. مصطفى السني التقيناه في حوار تحدث فيه عن كثير من الجوانب وأجاب على تساؤلات كانت غائبة عن الجمهور، تجدونها في المساحة التالية:
حوار: خديجة عائد
* حدثنا عن المشهد الفني من حولك، وكيف ينظر الجمهور إلى الفنانين؟
أعتقد أن المشهد الفني عموماً قاتم وضبابي، ونحن في ظروف حرب، والفنانين شريحة من الشرائح السودانية التي شردت ونزحت وامتحنت بفقد أعزاء وممتلكات، وحالياً هم مركزين على البقاء والإيفاء بالتزاماتهم الوطنية والأسرية أكثر من الإنتاج الفني.. عندما كان السودان مستقراً كانوا يتنافسون وينتجون أعمالاً فنية متواصلة، أما الآن فالتركيز أكثر على الإنتاج الوطني على قلته، والفنان “بني آدم: يعاني من ويلات الحرب كما يعانى الجمهور.
إذا كان توقفنا عن الغناء يوقف الحرب “ما عندنا مانع نوقف غناء”
* في ظل الأوضاع الحالية بالسودان وجد مجموعة من الفنانين وأنت منهم أنفسهم محط انتقادات لاذعة وهجوم شرس بعد ممارسة أنشطتهم، وإحياء حفلاتهم، ماذا تقول عن ذلك؟
هذه حقيقة، فعلاً جزء كبير من الفنانين والفنانات وجدوا أنفسهم في مرمى مدافع الكلام والهجوم الغير مبرر. الفن مهنة مثل الدكتور ومثل المهندس والأستاذ والجزار الخ، لكن سؤال: هل وقف الغناء يوقف الحرب؟ الفنان مواطن سوداني لديه التزامات أسرية ومجتمعية.. الناس أحياناً تغلب العاطفة على العقل ويختفي المنطق، الجميع يعرف أن مهنة الفنان هي الغناء في ظروف الحرب أو السلم، البعض ينتقد من أجل النقد ليس إلا… “الواحد يقول ليك وقف الغناء.. أنا ليه أوقف الغناء دا (أكل عيش)”.. إذا كان توقفنا عن الغناء يوقف الحرب ما عندنا مانع.. لكن سؤال هل الدكتور والمهندس والأستاذ توقفوا عن ممارسة مهنتهم لأن الحرب دائرة في السودان؟. وحتى في البلاد الداعمة للحرب هناك كمية مهولة من السودانيين يقيمون ويعملون فيها هل فكر أحدهم في تقديم الاستقالة والخروج من البلد الذي يدعم الحرب في وضح النهار؟ طيب وين المشكلة إننا نغني؟ مالكم كيف تحكمون؟.
* ظهر تيار آخر فني يدين الحروب، استخدم فيه الفنانون موهبتهم للاحتجاج على آلة الحرب وتعريتها وتغيير فهم الناس لها؟
الحرب مدمرة ومآلاتها قاسية جداً “بالتأكيد لو ما دمرت ما بتصلح”، كلنا لدينا فهم أن الحرب “لازم تقيف”، في سياسيين يستطيعون استخدام إمكانياتهم لأنهم أساساً مجهزين لهذه المسالة، ونحن الفنانين نخاطب المستمع أو المتلقي وجدانياً بالأغنيات الوطنية… نحث الناس على السلام هذا ما نستطيع فعله… أي إنسان يستعمل سلاحه ليسهم في إيقاف هذه الحرب اللعينة لأنها لا تبقي ولا تذر.
الفن قوة ناعمة لكنها تؤثر على تغيير المسارات والنتائج
*ما مدى أثر الفن والقوة الناعمة للثقافة في مواجهة قسوة الآلة الحربية الدامية ووحشيتها؟
للفن أثر قوي جداً، الفنون ممكن تغير حكومات، الفن قوة ناعمة لكنها تؤثر في تغيير المسارات والنتائج من حيث نشر الوعي بواسطة المثقفين والفنانين، ربط الناس بالبلد وزيادة الحماس في النفوس وتحريكها وتذكيرها بالوطن وبعاداتنا وتقاليدنا وحب ترابنا وهكذا. أنا أعتقد أن الفنانين والفن عموماً قوته أقوى من السلاح..
الظروف الحالية أدت إلى فوضى وظهور متغولين على الوسط الفني همهم الكسب السريع
* هنالك تزايد في عدد المغنين، لكن ليس هنالك تطور نوعي، هو في معظمه تقليد للموروث الفني وبطريقة مشوهة.. ما رأيك؟
نعم.. تزايد عدد الفنانين حالياً.. في السابق “كان في كنترول” ممثلاً في لجان لإجازة الأصوات ولجان لإجازة القصائد بمعنى أن الفنانين الجدد تتم إجازة أصواتهم عبر لجان متخصصة وإصدار رخص ممارسة الغناء.. ولكن السوشيال ميديا وظروف السودان التي يمر بها الآن أدت إلى الفوضى وإلى ظهور متغولين على الوسط الفني كل همهم الكسب السريع بغض النظر عن المحتوي الذي يقدم… صوتهم مجاز أو غير مجاز لا يهم أو صوت لا علاقة له بالغناء من أساسه “لكن ممكن يغني عشان يدخل ليهو قرشين تلاتة” هذه هي الفكرة. الأغلبية لا تنظر للفن على أنه رسالة ولا ينظرون إلى الفنون عموماً على أنها لابد أن ترتقي بالذوق وأنها رسالة سامية لابد أن تكون خياراتك بحساب “ممكن يغنوا أي غناء… الساهل… بدون اي اجتهاد وتعب، وممكن يغنوا من الموروث، وممكن يغنوه غلط وفيه كثير من الأخطاء”.. أنا أعتقد أنه بعد توقف هذه الحرب اللعينه قريباً بإذن الله.. كل شئ سوف يرجع لمكانته الطبيعية ونقدر نقف مرة تانية وترجع العافية الفنية بإذن الله.
* ماذا أنت قائل عن واقع الحرب وتأثيراتها الإنسانية الكبيرة؟
عموماً نحن شايفين كل الحاصل للحرب سلبيات وإيجابيات على الرغم من أن إيجابياتها أقل. لكن شايفين مدى التدهور الحاصل في البلاد وفقدنا لكمية من الأحباب والأعزاء والأقارب ومجموعة من المواطنين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالحرب من بعيد ولا من قريب ولا بالسياسة، مواطنين تعبانين ومرضى فقدوا كل ما يملكون وتغيرت حياتهم تماماً.. والنزوح والتشرد وعدم الاستقرار.. لها سلبيات كثيرة ولكن من إيجابياتها نزوح الناس داخل السودان أو خارجه هذا بدوره يعدل رأي وفكر الكثيرين عن حبهم للوطن وتقييمهم للأرض وحمدهم لله على النعم التي كانوا ينعمون بها ولم ينتبهوا لها.. وعلاقاتهم الأسرية وتوطدها ومعرفة الصديق من العدو … قبل الحرب كثير من الشباب كانوا بقولوا نحن متين نسافر و(دي بلد شنو) الآن بالتأكيد عرفوا قيمة الوطن وقيمة الأرض وكيف لما تكون في بلدك بتكون عزيز ومرتاح نفسياً ومبسوط تحت أي ظرف من الظروف. عكس لما تكون خارج وطنك في مكان لا بشبهك ولا بتقدر تأخذ فيه راحتك ومقيد بأشياء كثيرة جداً. ومن الإيجابيات أيضاً الاحتكاك بثقافات مختلفة لأن هناك من لم يسافر خارج العاصمة أو خارج السودان في حياته والحرب أتاحت له الفرصة بالسفر والاختلاط والاحتكاك بثقافات أخرى ممكن يأخذوا منها المفيد وممكن تفتح ليهم بصرهم وبصيرتهم ولما يرجع السودان قريباً بإذن الله سالم معافى بعد أن تقف هذه الحرب اللعينة أكيد الأفكار ونظرته للأشياء ح تكون مختلفة برغم سوء الحرب إلا أن لها بعض الإشراقات..
* أقمت عدد من الحفلات في مصر والسعودية، هل ستتجه غرباً وتعانق جمهورك الكبير في إنجلترا؟
نعم باذن الله مفترض في الأيام القادمة أسافر لعدة دول خليجية ومنها إلى كندا إن شاء الله وغالباً أعود مروراً ببريطانيا.. نسأل الله التوفيق.
* ما الأعمال الغنائية التي تستعد لتقديمها في الفترة المقبلة؟
قبل خمسة أشهر نزلت أغنيه بعنوان (الخرطوم) من كلمات الشاعر محمود الجيلي وألحان الموسيقار أحمد كاريكي، والآن تحت الحفظ والتلحين أغنية وطنية جديدة وأغنيتين عاطفيتين بعد اكتمال البروفات سأقوم بنشرها على صفحتي الرسمية في الفيس بوك والسوشيال ميديا إن شاء الله.

* تحرص على الأغنيات الجادة ولديك معايير محددة لاختيار أغنياتك التي تقدمها، هل هذا صحيح؟
بالتأكيد لأن الفن رسالة وهذا من واجبنا.. من الهم أن نتخير الكلام الجميل الذي يعالج القضايا ويؤدي دور إيجابي ويسمو بالمتلقي، لابد أن يكون هناك اختيار دقيق للكلام، والاغنيات ما بالضرورة تكون كلها جادة في أغنيات ممكن تكون خفيفة ولكنها لا تخدش الحياء العام وممكن كلماتها تكون خفيفة ولطيفة ولحنها كذلك… وعندنا من الأمثلة الكثير من أغنيات الرواد.. عندهم الكثير من الأغنيات الخالدة كلاماً ولحناً وعندهم الأغنيات الخفيفة الراقصة ولكنها ملتزمة بالجودة وبالكلام الجميل رغم خفتها..
السوشيال ميديا لها جوانب مشرقة وجوانب مظلمة
* هل تعتقد أن عصر السوشيال ميديا والثورة الرقمية قد ساعد في وصول بعض المطربين سريعاً دون إمكانيات جيدة؟
بالتأكيد، ممكن الواحد يكون قاعد في غرفته يسجل أغنية في السوشيال ميديا تاني يوم ممكن يكون معروف على نطاق واسع جدا.. ممكن يكون ما عنده صوت جيد وممكن يكون ما بعرف يغني من أساسه لكنه أصبح مشهوراً مثلا لطريقة الغناء التي اختارها أو لغرابة الكلمات. نحن حتى ما قبل هذه الحرب إن أردت أن تمارس هذه المهنة فلا بد أن تمتحن من قبل لجنة لإجازة الأصوات تجلس أمام لجنة وفنانين كبار يجيزوا ليك صوتك وتمر عبر قنوات كثيرة حتى تشتهر كفنان… تكون صقلت الموهبة ووجهت من ناس عندهم علاقة بالموسيقى ولكن الآن أي واحد يذهب إلى أي استديو يسجل أي كلام ينزله في الميديا تاني يوم يكون معروف وهو ما عنده علاقة بالغناء لا من قريب ولا من بعيد إلا من رحم ربي، السوشيال ميديا بقدر ماعندها المشرق من الجوانب لها جوانب مظلمة التي تظهر أناس يحسبونهم على الفن السوداني للأسف الشديد ولا يستطيع أحد أن يوقف هذا العبث..
لست مقلاً بالمعنى ولكنني أبحث عن الجودة
* يراك البعض مقلاً في تقديم الأعمال الغنائية الخاصة وتمضي على خطى أبو داؤود وأغنيات الحقيبة دون إضافة؟
أنا ما مقل بمعنى مقل ولكن أنا ببحث عن الجودة وأنا حريص جداً أن الأغنيات التي اختارها يجب أن تكون جيدة ومجودة على الأقل من وجهة نظري، الآن عندي من الأغنيات قرابة الـ(30) عمل في جزء ظهر في الميديا وجزء أعمل على تجويده وآخر حتى الآن ما بديت في حفظه، مجموعة من الكلام الجميل في انتظار التلحين، نعم ممكن أكون مقل نسبة لترحالي الكثير زائداً على أنني أركز على جودة العمل إذا لم اقتنع بالعمل لا أقدمه للمستمع لأني ما بقدم أعمال حتى يقال عندي أعمال كثيرة، لابد أن أكون قد بذلت فيها مجهوداً وجاهزة وأنا مقتنع بأنها جاهزه للخروج للمتلقي.
أما بالنسبة لخطى ابو داؤود فأنا أقول مراراً وتكراراً انا أغني لأبو داؤود ولا أقلده فهو فناني المفضل وأحب أغنياته جداً لكنني لا أتقمص شخصيته ولا أغني بطريقته، أنا أغني بطريقتي الخاصة بي ولا أظن هناك من لم يحب أغنيات الحقيبة نحن كلنا بدأنا بها، فلازم تاخد من كل بستان زهرة، تغني لأبو داؤود وتغني من الحقيبة وتغني اغنياتك الخاصة، تغني حماس. هذا فهمي للأشياء لأن المتلقي يحب يسمع أغنيات معروفة ومسموعة ومن خلال تقديمك للمسموع ممكن تغني أغنياتك وتكون فرصة ليتقبلوك لأن الأغنيات الجديدة دائماً ما تأخذ زمن ليتقبلها المستمع، أنا ما عندي مانع أكون على خطى أبو داؤود هذا يسعدني وإضافة بالنسبة لي، أنا امتلك العديد من الأغنيات الخاصة وأغني أغنيات الرواد لمتعتي الخاصة.
* رأيك في أغنيات المرحلة هل ستصمد وتبقى تاريخاً أم أنها ستنتهي بانتهاء الحرب والعودة إلى الديار؟
أي مرحلة لها ظروفها الخاصة وأغنياتها الخاصة بها حتى بدون حرب مثلاً في ظروف معينة تمر علينا تتطلب المرحلة نوعاً معيناً من الغناء.. في غناء بكون موجود ومتواصل مع الناس وفي غناء يتلاشى مع الزمن لزوال السبب.. واعتقد انه مع الظروف التي نمر بها الآن في أغنيات ح تكون مستمرة وتكون داخل القلب والوجدان وأغنيات ستنسى حتى بعد العودة بإذن الله.
اشتركت في عدد من المبادرات وقمنا بأعمال كثيرة ليس بالضرورة تكون معروفة للناس
* لماذا لم تكن ضمن أي مبادرة فنية من المبادرات التي ظهرت في وقت الحرب؟
بالعكس أنا اشتركت في عدد كبير من المبادرات وعملنا أعمال كثيرة لكن ما بالضرورة تكون معروفة للناس، قدمنا الكثير للبلد وهذا واجبنا ولسنا مشكورين عليه، فما أفعله ما لازم اتكلم به، الكثير يتساءلون لماذا لم نشارك في مبادرات ولكن أنا لا أظهر في الميديا وأتحدث بما فعلت، هذا بيني وبين ربنا سبحانه وتعالى، وأنا أعرف أن هناك الكثيرين من أهلنا في السودان محتاجين لأشياء كثيرة حتى أهلنا الموجودين في الغربة في مصر أو الذين نزحوا داخل الأقاليم السودانية فما استطعنا فعله بفضل الله عملناه بدون إعلام وظهور، ولكن في أشياء واضحة مثل المشاركة في حفلات لدعم الأسر المتعففة، لدعم مرضى الكلى، والمواد التموينية كله شاركت فيه مع نخبة من الزملاء الفنانين والموسيقيين، وفي حاجات بيني وبين رب العالمين ما ملزم إني أشرحها أو أوضحها للناس حتى أنال الشكر والإطراء.
* أخيراً.. ماذا تقول في الختام؟
أخيراً أسال الله أن يوقف هذه الحرب اللعينة التي تأذى منها المواطن بصورة كبيرة.. أسأل الله أن يرفع عن السودان البلاء والوباء والغلاء والغباء. وربنا ينصر الجيش على من عاداه ونسأل الله أن نرجع قريباً معززين مكرمين إلى الوطن بلدنا الحبيب السودان وننعم فيه بكل الحب والأمن والأمان والسلام.
الفنان مصطفى السني لـ(سودانيون ميديا): سنتوقف عن الغناء إذا كان ذلك يوقف الحرب