كادقلي.. في مرمى الشائعات..
تشهد عمليات خروج مستمر للمواطنين، والعاملين بالمنظمات،،
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
تشهد مدينة كادقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان، موجة خروج مستمرة للمواطنين، بالتزامن مع إجلاء موظفين تابعين لبعض المنظمات والمبادرات الإنسانية، وذلك في ظل تصاعد وتيرة الشائعات بأن المنطقة ستسلم إلى تحالف ( الحلو – دقلو) “تسليم مفتاح” وفق اتفاق، وكشفت مصادر محلية للكرامة أن المواطنين الذين غادروا المدينة سلكوا طرقاً محفوفة بالمخاطر، مدفوعين بحالة القلق التي غذّتها الأنباء المتداولة حول تطورات المشهد العسكري، رغم تأكيدات رسمية باستقرار الأوضاع الأمنية وقدرة القوات المسلحة على السيطرة على الموقف وامتلاكها زمام المبادرة.
مقتل مدير ديوان الزكاة بولاية جنوب كردفان، بعد تعذيبه بأيدي الميليشيا..
مخاطر حقيقية:
وتواجه أعداد من المواطنين الذين غادروا مدينة كادقلي مخاطر حقيقية تهدد حياتهم، إذ يضطر كثيرون منهم للسير على الأقدام لمسافات طويلة أو استخدام الدواب ووسائل بدائية كـالتكاتك في طرق وعرة وغير آمنة، هرباً من حالة القلق التي سادت المدينة، ولا تتوقف المعاناة عند مشقة الطريق، بل تمتد إلى ما يتعرض له هؤلاء المواطنون من عمليات تفتيش قاسية ومساءلات مهينة على أيدي عناصر من ميليشيا الدعم السريع وقوات (الجيش الشعبي) التابعة للحركة الشعبية، التي تسيطر على بعض المداخل والمخارج والمسارات التي يرتادها الناس، وبحسب إفادات متطابقة، فقد تعرض بعض الفارين للتوقيف والاحتجاز، بل ولأعمال تعذيب أودت بحياة البعض، في حادثة صادمة أعادت إلى الواجهة فظائع الانتهاكات، كان آخرها ما جرى أمس لمدير ديوان الزكاة بولاية جنوب كردفان، الدكتور عريس حامد محمد كباشي، الذي توفي بين يدي التعذيب، في واقعة أثارت حزناً كبيراً وغصباً وسخطاً واسعاً وسط المواطنين، وعززت المخاوف من المخاطر المحدقة بكل من يسلك تلك الطرق بحثاً عن النجاة.
على الأقدام والدواب و”التكاتك”، رحلة خطر حقيقية يسلكها المغادرون..
تصاعد خطاب التخويف:
وارتفعت أصوات ما وُصفت بـالخلايا النائمة والمرجفين داخل بعض الأحياء، ساعية إلى بث الهلع وسط المواطنين، مستغلة سقوط مدينة بابنوسة، ودخول الميليشيا المتمردة إلى منطقة هجليج، للترويج لرواية مفادها أن مدناً رئيسة في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة، كالدلنج وكادقلي، باتت على مرمى حجر من تحالف (الحلو – دقلو)، وشهدت الفترة الماضية تصعيداً عسكرياً تمثل في قصف مدينة الدلنج، إضافة إلى هجوم نفذته قوات التحالف على منطقة برنو القريبة من مدينة كادقلي، الأمر الذي أثار مخاوف لدى بعض الأسر، ودفعها إلى مغادرة المدينة تحسباً لأي تطورات محتملة، ويرى مراقبون أن هذه الحملات النفسية تهدف بالأساس إلى كسر الروح المعنوية للمواطنين وإرباك الجبهة الداخلية، أكثر من كونها تعكس واقعاً ميدانياً حقيقياً.
استراتيجية الجيش:
في المقابل، تتبع القوات المسلحة السودانية استراتيجية وُصفت بـالتعامل الصامت مع تهديدات تحالف (الحلو – دقلو)، حيث امتنعت عن الانجرار إلى ردود فعل إعلامية، مفضلة التركيز على العمل الميداني والاستخباري
وأكدت مصادر عسكرية أن تعزيزات وصلت إلى مناطق العمليات كان لها أثر إيجابي مباشر في صد الهجوم الذي استهدف مدينة الدلنج، كما أسهمت في سحق القوة التي هاجمت منطقة برنو، مشيرة إلى أن المنطقة أصبحت مؤمّنة بالكامل وقادرة على التصدي لأي محاولات تسلل أو هجوم جديد، وأضافت المصادر أن الجيش يعتمد استراتيجية تقوم على استنزاف الميليشيا وضرب قوتها الصلبة، وليس مجرد الاشتباك العابر، معتبرة أن ما جرى في برنو يمثل نموذجاً عملياً لهذه المقاربة العسكرية، التي تهدف إلى إضعاف التحالف على المدى المتوسط والطويل.
دور مؤثر للإعلام المحلي في بث رسائل الطمأنة وتثبيت الجبهة الداخلية..
الإعلام والتثبيت والطمأنة:
وقللت الإعلامية أمل أحمد شداد، مدير هيئة إذاعة وتلفزيون ولاية جنوب كردفان، من عملية خروج بعض المواطنين من المدينة، وتأثير ذلك في إثارة المخاوف والهواجس في النفوس، وقالت شداد في إفادتها للكرامة إن معظم من غادروا وركبوا المخاطر والمصاعب هم من النساء وكبار السن، بدوافع وتقديرات مختلفة، مؤكدة أن مدينتي كادقلي والدلنج كالعهد بهما، صامدتان وعصيتان على التمرد، مشددة على أن السودان لن يؤتى من جنوب كردفان، التي طالما ظلت ثابتة في وجه التمرد منذ اندلاعه في ثمانينات القرن الماضي، ونوهت الأستاذة أمل شداد إلى الدور المتعاظم الذي تضطلع به هيئة الإذاعة والتلفزيون بالولاية في تثبيت المواطنين، ونقل المعلومات الموثوقة، ورفع الروح المعنوية للقوات المسلحة، مؤكدة أن الإعلام الوطني يضطلع بمسؤولية محورية في معركة الوعي، من خلال مواجهة الشائعات، ودعم جنوده في الميدان بالكلمة الصادقة والمعنويات العالية.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فإن التطورات التي تشهدها ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة، حالة شدٍّ وجذب بين واقع ميداني تشير المؤشرات إلى استقراره النسبي، وحرب نفسية تقودها الشائعات والمرجفون لزعزعة الثقة وبث الخوف، وفي وقت اختار فيه الجيش التعامل بهدوء محسوب واستراتيجية استنزاف طويلة النفس، يظل وعي المواطنين ودور الإعلام الوطني عاملاً حاسماً في إفشال مخططات تحالف (الحلو – دقلو)، والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية في واحدة من أكثر المناطق حساسية في البلاد.
* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)