سودانيون

عزمي عبد الرازق يكتب: كامل إدريس.. هل فشل في المهمة؟

عزمي عبد الرازق يكتب: كامل إدريس.. هل فشل في المهمة؟

​خلال زيارتي الأخيرة إلى مدينة بورتسودان، حرصت على لقاء رئيس الوزراء، لا من باب المجاملة فقط، بل لأوصل إليه رسالة واضحة: إن الأداء الضعيف الذي أظهره في منصبه يسيء إليه أولاً، ثم يسيء إلى تضحيات الشهداء الذين دفعوا أثماناً باهظة لأجل أن نحيا كراماً. وهذه الرسالة هي التي دفعتني لكتابة مقال “الفرصة الأخيرة لتصحيح المسار”، ذلك المقال الذي أزعج الدائرة المحيطة به، لكن الانتماء للناس العاديين، واستشعار مخاوفهم، يفرضان علينا الحديث بوضوح وصدق مهما كانت ردود الأفعال.

​بالرغم من أنه “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، كما قال وزير الخارجية السفير محيي الدين سالم، إلا أنه يصعب تجاهل هذه الثغرة الواضحة على قمة هرم الجهاز التنفيذي؛ فالضعف الإداري يمكن أن يتحول إلى “كعب أخيل” يهدد صمود البلاد، لأن الأداء الحكومي المتواضع يُقوِّض كل ما يبذله الجيش والشعب من جهد في ساحات النزال.

​كان من المتوقع، فور تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، أن ينجح في تحقيق شرط أساسي هو الخروج من العزلة وفك تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي- على الأقل- وهي مهمة ظن الكثيرون أنه سيبرع فيها بحكم خبرته الطويلة في المؤسسات الدولية. لكن ذلك لم يحدث؛ إذ لم ينخرط حتى في حراك دبلوماسي فاعل لتجسير العلاقة مع الغرب، أو تقديم صورة جديدة للحياة المدنية، ونتيجة لذلك، بقي السودان تحت الحصار والتعرض للعدوان الخارجي، حتى أصبحت أراضيه ساحة مفتوحة لمرتزقة من مختلف الجنسيات، دون أي مجهود حقيقي لكسب المعركة خارجياً، والسعي الجاد لتصنيف “الدعـ.م السريع” ميليشيا إرهابية، وعلى ما يبدو فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

​أما زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية، فقد كشفت ضعفاً تنظيمياً وارتباكاً واضحاً في التنسيق، لدرجة كادت أن تضر بعلاقات السودان مع دولة تُعد شريكاً استراتيجياً مهماً. ولا حاجة للتذكير بما جرى في إريتريا، حين أطلق هتافه الارتجالي “عاش أفورقي” في لحظة غير موفقة، مما حوّل الأمر إلى مادة للسخرية، في مشهد يذكّرنا بعبارة كارل ماركس: “التاريخ يعيد نفسه مرتين؛ الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة”.

​والأدهى من ذلك هو هشاشة ظهوره أمام الرأي العام، فطريقة جلوسه أمام الكاميرات، وتصرفاته العفوية، واختياراته غير المدروسة في الملبس والحضور، كلها تفاصيل بسيطة في ظاهرها، لكنها تمس هيبة المنصب، ومن المؤسف أن يحتاج رئيس وزراء إلى من يذكّره ببدهيات بروتوكولية.

​عطفاً على ذلك جاء التخبط في ملف الذهب مثالاً صارخاً: قرار احتكار الصادر ثم التراجع عنه قبل أن يجفّ الحبر الذي كتب به، ما يعكس غياب الدراسة واتخاذ القرارات بعشوائية في التعامل مع أهم الموارد السيادية خلال هذه المرحلة.

​لا يمكن تبرير تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، ولا غياب الناطق باسم الحكومة، أو الذهاب إلى العاصمة الخرطوم وهزيمة مشروع الحرب الذي عمل على إفراغ البلاد من سكانها، وصناعة الدعاية السوداء. إلى جانب غياب إدارة إعلامية محترفة تعكس رأي رئيس الوزراء وتوجهات حكومته، في زمن الفضاءات المفتوحة، إذ لا يعقل تجاهل قيام منصات تواصل رسمية موثوقة تعبر عنه وتدافع عن سياساته، إن وجدت!

​دعك من الأمل ولنسأل فقط: ما هو مشروع حكومة كامل إدريس الذي يُفترض أن تعمل عليه الآن؟ ما هي الرؤية الطموحة التي يتعين علينا التبشير بها؟ ثمة حاجة إلى أفكار قابلة للتحقيق، ” النظرية رمادية والتجربة خضراء”، على حد قول غوته، وهو ما يجب أن يفهمه كامل إدريس.

نحن في حالة حرب، وواجب المرحلة هو الارتقاء لمستوى التحديات، وتوجيه كل الطاقات لدعم المجهود الحربي والإنساني، ليس فقط على خطوط القتال، بل في المزارع والمصانع والمدارس. وهذا يتطلب رؤية واضحة وإرادة صارمة، لا خطابات فضفاضة وعبارات رومانسية عن النزاهة والاستشفاء الوطني، يعقبها النوم في العسل.

​يمكن الحفاظ على هذه الحكومة بتوازناتها السياسية مع استبدال رئيس الوزراء بآخر، فلا شيء يمنع ذلك. فهو غير منتخب، بل موظف حكومي كُلِّف بمهمة محددة، وقد أخفق فيها. وليس هناك ما يبرر الإصرار على بقائه في موقع لم يعد قادراً على الاضطلاع بمتطلباته في ظل هذا المنعطف التاريخي الحرج.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.