فيما ارى
مثل حرائق الغابات تشتعل دون أن تعرف لماذا اشتعلت وتحملها الرياح بعيدا فلا تعرف إلى أين تتجه وما الأضرار التي يمكن تسببها، ذلك مثل الأسافير تشعل الفضاء الإعلامي والسياسي فلا تعرف لماذا ومن وراء إشعالها وما مصلحته في تأجيج النيران وربما يذهب بها البلهاء بعيدا حد الفتنة مما يجعل البلد تقف على امشاطها في كل حين.
2
خلال هذا الأسبوع شاهدنا اندلاع حريقين ، أولهما ذاك الحريق الذى اشتعل بعد لقاء جنيف… ثم حريق آخر ظهر بعد الترقيات والإحالات للمعاش لضباط وقيادات في الجيش قام بها القائد العام الرئيس البرهان.
بعد لقاء جنيف مباشرة دارت طاحونة التكهنات والتعليقات التي لا تستند على أي معلومة سوى أن طائرة قطرية اميرية اقلعت من مطار بورتسودان متجه إلى زيوريخ.. مباشرة ذهب سابلة الاسافير لتأطير الزيارة، واشاعوا ان هناك صفقة خفية بين الرئيس البرهان والجنجويد بل أنه ذهب لمقابلة كبيرهم ثم مالبثوا ان قالوا ان تلك الصفقة هى بين الإمارات والرئيس البرهان.. صنف ثالث أكثر ضلالا قال إنها صفقة بين الرئيس البرهان والامريكان.!.
ماهى تلك الصفقات ما بنودها وما اهدافها؟.هنا يمكنك أن تتلقى اجابات غاية في الإبداع…فالصفقة مع الامريكان هدفها التطبيع مع إسرائيل وتتمحور على المعادن على نموذج ما جرى الكونغو إضافة لإبعاد الروس والايرانيين من السودان ، واما الصفقة مع الجنجويد فهدفها الوصول لمعادلة تقسيم السلطة بين الجنرالين أو البلد نفسها، مع الإمارات غايتها بيع الأراضى الموانئ والإسلاميين في بكج واحدة. !!.
3
وبناء على هذه الأساطير المؤسسة للأسافير يندلع الحريق الشامل ويختلط الحابل بالنابل.مثل هذا الهرج والمرج يصعب الحوار معه ومجادلته لا بالتي أحسن ولا بالتي هى أخشن، والغريبة ان الاحكام التي تصدر سريعا بناء على معلومات متوهمة وغالبا ما تكون جاهزة لا تنتظر حتى ساعات لتحقق منها، ليس هناك صبر.. المهم هو اللحاق بالترند قبل مغيب الشمس بالحق او الباطل، الاحكام التي تصدر من شالكة ، باعو البلد للأمريكان.. البرهان يريد أن يعيد القحاته للسلطة، البرهان سبيع الإسلاميين لصالح الإمارات، مثل هذه الترهات تتكاثر بسرعة البرق والعجيب تجد من يصدقها يتداولها كأنها حقائق راسخة، يحدث ذلك من شخصيات وازنة وصحفيين كبار وناس كنت تظن فيهم ظنا حسن فتكتشف إنك كنت تحترم خيالات مآتة تعاني من مثل هذا الضحالة، احيانا تشعر بخجل حين تجد احد البروفسورات “معتل” غثاء ينتقل به بين قروبات الواتسب وصفحات الفيس بوك لترويجه.!!. لا يفكر لحظة فيما ينقل ويروج .. تستغرب هو ده بقى بروف كيف…. ملعون ابو الشهادات المحتشدة بالجهالات.!!
4
لماذا يُطبع الرئيس البرهان الان مع إسرائيل وهي تبيد الفلسطينيين ودولته تصدر كل يوم البيانات التي تدين الابادة التي تجرى في غزة؟! وماذا استفاد الرئيس البرهان من الخطوة التي اتخذها أيام القحاته باتجاه إسرائيل، تلك الخطوة التي قابلها الغرب بفرض الحصار والعقوبات عليه ومساوته بقائد الجنجويد!! بل ودعمهم.!!
ثانيا .. إذا كان الرئيس سيتفق مع الأمريكان لتحقيق مصلحة اقتصادية لبلده فما من سبب إخفاء تلك الصفقة؟ .
ثالثا … هل يمكن لعاقل أن يتصور أن يصدر الرئيس البرهان قرار باعادة حمدوك او صمود إلى السلطة في خضم هذه الأجواء وموجة الكراهية التي تنتاب الشعب لمجرد ذكر اسم صمود او القحاته ؟ الرئيس البرهان أذكى من ذلك وهو قادر على الإحساس بنبض شعبه الذي يلتقيه في الطرقات كفاحا.
الرئيس البرهان قال لأكثر من مبعوث ليس لدينا مشكلة مع صمود انما مشكلتهم مع الشعب.! وهو موقف حكيم، من باب الاحلام والاوهام أن تتسلم صمود السلطة من يد الرئيس البرهان وايديها لاتزال ملطخة بدماء الشعب.!.
قال الرئيس الف مرة ان الطريق الوحيد للسلطة بعد الفترة الانتقالية هو صندوق الانتخابات الفترة الانتقالية ستكون السلطة بيد حكومة كفاءات غير منتمية لحزب أو اى جهة.. تُرى كم مرة سيحتاج الرئيس البرهان أن يكرر مقولاته تلك…؟
رابعا … إذا كان الرئيس البرهان يسعى لإنهاء الحرب واطفاء نارها فما السبب الذي يدفعه للاستجابة لطلب الإمارات باجتثاث الإسلاميين؟ وهل ذلك ممكن وكيف ولماذا.؟ الرئيس الذى يسعى لإطفاء النيران المشتعلة كيف يقوم باشعال حريق آخر في البلد مبتدرا صراعا مع الاسلاميين وخاصة أن هؤلاء الاسلاميين المطلوب اجتثاثهم يقاتلون الآن بجانب الجيش كتفا بكتف ويقدمون يوميا الشهداء.!.وأنهم منذ أن سقطت الانقاذ يكررون انهم لن يعودوا للسلطة إلا عبر بوابة الانتخابات إذا اختارهم الشعب ، التزم الإسلاميون بهذا الخط الاستراتيجي وزهدوا بكل ما يتعلق بالسلطة في الفترة الانتقالية ، إذا كان كل ذلك حقيقة هل لعاقل أو حتى مجنون أن يصدق مثل هذه الترهات والأباطيل، ابدا لا…. وطبعا لا …. لكنها الاسافير حيث يصبح المستحيل ممكنا.. لعنة الله عليها وعلى الترند والمتسابقين لحصده.!!
6
الحريق الثاني … اشتعل فجأة لمجرد ان كشوفات للضابط قدر صدرت تحمل قرار بإحالتهم للمعاش وترقية بعضهم وهو إجراء روتيني متعارف عليه في كل المؤسسات العسكرية وكان الجيش السوداني منذ تاريخه يعتمد هذه التقاليد والأسس.
توقعت أن تلك الخطوة الإشادة والتقدير من الكل إذ أنه رغم ظروف الحرب الغادرة التي يخوضها الجيش الآن ، ظل متماسكا و محافظا على تقاليده وليس ذلك فحسب بل إن هذه الخطوة تكرس مؤسيسة الجيش وتحافظ على قوانينه التي انبنى عليها ولكن المفاجاة ان طاحونة الأقاويل دارت عكس الاتجاه الصحيح، فبدلا أن يتلقى القائد العام التهانى لمحافظته على تقاليد المؤسسة العسكرية تلقى الاتهامات، ظن بعضهم أن القائد العام إنما يفعل ذلك لانه يصفي حسابات مع قادة في الجيش لمع نجمهم ويخشى هو صعودهم، ورأى بعض الإسلاميين المهجسين بأن الخطوة تستهدف العناصر الإسلامية في الجيش، والغريب ان اعداء الإسلاميين ركبوا الموجة بجهل وغباء شديدين واكدوا ذات الفكرة . !! السؤال الذي لا يجيب عليه ثلة البلهاء الاسفيريين هو… هل كان القائد العام للجيش بحاجة لينتظر كل ذلك الوقت ليتخذ قرار احالة الضباط المستهدفين للمعاش سواء كانوا منافسين أو إسلاميين أم كان بمقدوره أن يتخذ تلك الخطوة في أي وقت شاء.!!.الغريب ايضا ان الاحتجاج لم يأت من العسكريين الذين تقبلوا الأمر بكل رحابة صدر فمثلة جرى على من قبلهم وسيجرى عليهم وعلى الكل يوما ما.الاصوات العالية جاءت من المدنيين إذ أخذت العاطفة بعضهم وتعاطفوا مع بعض القيادات فرأوا أنها يجب ألا تمس حتى لو مكثت مائة عام، وآخرون ذوى غرض وعداء مع خطوة خطوة يتخذها القائد العام الرئيس البرهان فاتخدوا من قراره وكل قراراته لمهاجتمه واتهامه تصفية لحساباتهم معه.
7
يبدو لى والله اعلم ان ظاهرة الحرائق الاسفيرية لن تتوقف بعد كل فعل خطوة او قرار مادمت تلك الاسافير اقصى غايتها الترند والتى يبحث المتسكعون في ردهاتها على الشهرة الرخيصة ولا يخافون الله في الناس ولا في أوطانهم، انهم متل “البوم البعجبو الخراب “.
صدق الكاتب الايطالى العظيم أمبرتو إيكو صاحب رواية اسم الوردة حين قال “أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم اسكاتهم فورًا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء.”