خارج النص
يوسف عبد المنان
أم تحتضر!!
عندما كانت الحرب في أوجها وصواريخ المليشيا تتساقط فوق رؤوسنا والتهديد بإسقاط المهندسين ووادي سيدنا ما كانت الحياة في أم درمان بهذه القسوة وتدهور خدمات الكهرباء والمياه وانفلات الأوضاع الأمنية في الأسواق وما كان هناك تسعة طويلة ولا نهباً بالسلاح في رابعة النهار ولا جماعات تتسور البيوت مع صلاة الفجر ولكن الآن أربعة أيام طويلة وأم درمان بلا كهرباء وبلا ماء ولا سوقا ينبض بالحياة إلا أصوات مولدات الكهرباء ولاتزال المليشيا تضرب مدفعيتها وتحصد الأرواح.
صحيح أن تحرير بحري ومصفاة الجيلي قد خفف المخاطر الامنية بعض الشئ ولكن الظلام هو السلاح الفتاك الذي يستخدمه عصابات السلب والنهب وتسور البيوت وإدارة الكهرباء بعد 72 ساعة من الانقطاع أصدرت بيانا مضطربا لم تعتذر فيه للشعب بسبب العطب الذي أصاب محطة توليد مروي ولم تضرب شركة الكهرباء موعدا لعودة التيار الكهربائي لأهم المدن في السودان وشركة الكهرباء التي عجزت عن إزالة التوصيلات العشوائية في الأحياء السكنية مما أدى لتدني الخدمة التي تقدمها فشلت الشركة في إحسان خطابها لشعب يستحق خدمة أفضل وارتباط الكهرباء بالمياه جعل مدينة أم درمان تعود لعصر المهدية والآن تجوب عربات الكارو الأحياء السكنية تعرض مياه النيل الملوثة بالجثث ومخلفات الحرب بمبلغ سبعة ألف جنيه للبرميل الواحد لمياه قد تتسبب قريبا في تفشي أمراض مثل الكوليرا والاسهالات.
السيد والي الخرطوم سعى فوق طاقته لمعالجة مشكلات الولاية المتفاقمة ولكن الحكومة المركزية ينصب اهتمامها الآن بعد المؤتمرات لعطالة الفاقد السياسي ومخاطبتهم وإساكنهم في فنادق وشقق بورتسودان وتصرف عليهم من دم قلب الشعب السوداني ولا تدفع مالا لولاية الخرطوم التي تعيش أسوأ أيامها مما يجهض مجهودات العودة الطوعية للمواطنين من أرغمتهم الحرب على مغادرة مدينتهم قهرا وظلما ولن يعود المواطنون إلى أم بدة والكبجاب والجميعاب والموردة والعباسية إذا كانت عصابات النهب تسرح وتمرح في الأحياء والنهب نهارا ممن يحملون السلاح ويسرقون لسان القوات المسلحة ويرتدون الكاكي وبيدهم الكلاشات والام سكستين يروعون الناس ويسلبونهم المال والهواتف النقالة.
صحيح الخلية الأمنية التي تم تكوينها في الفترة الأخيرة ساعدت في القبض على بعض الجناة ولكن الانفلات كبير، يوم أمس كنت اقود سيارتي في طريقي من صابرين إلى شارع الشنقيطي وتوقفت حركة السير عند تقاطع التهامي بالشارة الحمراء إلا سائق عربة اتوس عبر الشارع وحاول رجل المرور المغلوب على أمره إيقافه فما كان جواب صاحب السيارة إلا إخراج سلاحه في وجه رجل المرور المسكين يحدث هذا في قلب أم درمان والقانون الذي يسري هو قانون الطوارئ فماذا يحدث إذا تم رفع حالة الطوارئ؟.
قال صديقي الرشيد بكري إننا في أم درمان نرفع صوت الاحتجاج على توقف الكهرباء لمدة أربعة أيام والأبيض منذ ستة أشهر بلا كهرباء فقلت له إن الأبيض سقطت من أولويات المركز منذ أن هبت هذه الثورة الملعون أبوها ولم يعد يهتم بها أحد تركوها لحالها ولكن ام درمان تئن الآن وجعا وألماً وكان حريا أن تتعافى مع انتصارات الجيش ولكن أم درمان في كل يوم تحتضر وتموت وهي واقفة ولا يملك أمثالنا ممن رفض مغادرتها إلا أن يردد عشية وضحى إنا لله وإنا إليه راجعون.