في الأنباء أن المشاورات تجري على قدم وساق لتعيين رئيس وزراء للقيام بأعباء إدارة شؤون الدولة خلال الفترة الإنتقالية الحالية.
وهي خطوة شديدة الأهمية بالنظر إلى واقع الحال الذي تمر به الدولة السودانية وهي تخوض حرباََ ضروس وغزو خارجي مدعوم من بعض القوى المحلية التي ارتهنت مقدراتها وباعت مواقفها للأجنبي الذي يستهدف تدمير البلاد ونهب مواردها ونشر الخراب فيها.
ورغم أن قيادة الدولة في مستواها السيادي، ومستوى أجهزتها التنفيذية وقواتها النظامية، وجهازها القضائي استطاعت أن تدير شؤون الدولة بكفاءة عالية ومشهودة طيلة أشهر ال ح رب، ولها القدرة على الإستمرار في إدارة شؤون الدولة، إلا أن الحمل ثقيل، والمسؤوليات جسام.
فإدارة شؤون ال ح رب، وتسيير دولاب الدولة في آن واحد من جهة واحدة يستنزف قدراتها و يرهق قواها الذهنية، ويستهلك طاقاتها ويشتت تركيزها مما تكون نتيجته تكلس النشاط وضعف الأداء في المدى الطويل.
والظرف الراهن الذي يمثل بداية مرحلة ما بعد ال ح رب، حيث تلوح في الأفق القريب بشائر النصر المبين على ما تبقى من ميل ي ش يا آل دقلو الإره ابية، وبداية إنهيار مشروعها الاح ت لالي الاستيطاني التدميري
يتطلب توفير الجهد والطاقات وتوجيهها صوب إعادة البناء والتعمير.
لذلك فإن الحاجة ماسة وضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى لاستكمال النواقص وسد الفجوات التي حدثت بسبب الحرب في مؤسسات وأجسام الدولة العليا..
وتأتي على رأس هذه المؤسسات والاجسام الجهاز التنفيذي الممثل في الحكومة أو مجلس الوزراء الاتحادي تحديداََ.
فعلى مدى ثلاثة أعوام منذ أن استقال رئيس الوزراء سيء السمعة والسيرة الذي رمت به ريح التآمر الدولي إلى كرسي رئاسة الوزراء وغادر البلاد غير مأسوف عليه ليكون أحد أكبر بيادق التآمر على البلاد والمقاول الأول لمشروع تدميرها ، ظل هذا المنصب شاغراََ يدار بالتكليف.
إن مهمة تعيين رئيس وزراء لقيادة الجهاز التنفيذي وإدارة شؤون الدولة هي مهمة صعبة وسهلة في نفس الوقت..!!
نعم هي مهمة ستكون صعبة إذا ما انشغلت الجهة المنوط بها الإختيار بالبحث عن (مَن)، بمعنى التنقيب عن شخص بإسمه ورسمه، وكذلك ستكون مهمة صعبة إذا دخلت هذه الجهة في وحل شديد اللزوجة إسمه (المحاصصة)..
وبالمقابل فإن المهمة ستكون سهلة هينة لينة مثل احتساء فنجان قهوة إذا ما ركزت الجهة المنوط بها الإختيار اهتمامها على (كيف)، بمعنى الإختيار على معايير موضوعية فقط دون الالتفات إلى غير ذلك من أمور أخرى ظللنا رهن قيودها منذ الإستقلال وأورثتنا ما نحن فيه الآن..
رئيس الوزراء الذي نريد هو ذلك الذي تتوفر فيه بصورة أساسية عناصر الكفاءة والجدارة والولاء الوطني، وأن يكون قومي الهوى لا أقول يقف على (مسافة واحدة من الجميع) هذه المقولة التي ابتذلها آل قحط من كثرة استخدامها كذباََ وزوراََ، ولكن أقول أن يكون قومياََ لا يفرق بين أحد من جهات أقاليم السودان ولا يشرك في ولائه للسودان ولاءاََ لأي جهة أخرى..
وهو ما يستوجب استبعاد حَمَلَة الجوازات والهويات الأجنبية تماماً مهما توافرت فيهم عناصر الكفاءة.. حتى لا نلدغ من هذا الجحر مرة أخرى..
كذلك يجب ألا يكون حزبياََ ولم يسبق له مطلقاََ الانتماء لحزب سياسي أو طائفة أو جماعة لها نفوذ سياسي.
كذلك يجب أن يكون رئيس الوزراء القادم ملم إلماماََ كافياََ بجغرافيا وديموغرافيا وتاريخ وثقافات السودان وجهاته المختلفة، ومن طينة هذا البلد ولد وترعرع فيه.
وأن يكون لديه حس سياسي ومدرك لمصالح السودان وعلى دراية تامة بسياسته الخارجية، الثابت منها والمتحرك، الاستراتيجي والتكتيكي ، وله معرفة بمجريات الأحداث على الصعيد الإقليمي والدولي، ويمتلك نظرة استراتيجية.
وأن يكون ذو سمات شخصية مميزة (كاريزما)، ولديه قدرة على الإبانة والإفصاح، واسع الثقافة ويتمتع بقبول شعبي، ويجيد التواصل مع الجماهير.
وأن تكون له القدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات بعقلانية وحكمة وقادر على المواءمة بين الشأن السياسي والشأن التنفيذي بما يحقق التوازن بينهما وأن يكون مصدر إلهام للوزراء وإسوة حسنة لهم .
وأن يحسن إدارة الوزراء على الوجه المطلوب ، فالوزراء ليسوا كالموظفين في الخدمة المدنية، عليه أن يكون مستمعاََ جيداََ لهم متبسطاََ معهم يتقبل ملاحظاتهم ووجهات نظرهم ويصححهم بطريقة تحفزهم على التجويد.
كذلك ينبغي أن يكون رئيس الوزراء ممن يمتلك خبرة في التنظيم والتخطيط ورسم السياسات، والجرأة – وليس التهور – في اتخاذ القرار، وعدم التردد أو الخوف.
وفوق هذا وذاك ومما لم نذكره، أن يكون نزيهاََ متعففاََ نظيف اليد يعاف المال العام ولا تمتد يده إليه إلا بحقه فقد نكبت البلاد على مدى تاريخها السياسي بنخب لا تعاف أكل المال العام بل تحرص على الرتع فيه بلا حسيب ولا رقيب، مما تسبب في أزمات متطاولة أصابت اقتصاد البلاد بالشلل والكساح..
وقد يقول قائل إن بعض الصفات والمواصفات المطلوبة الواردة هنا لا يمكن قياسها أو الإطلاع عليها بحكم طبيعتها التي تنطوي على السرية، ونقول هذا صحيح، ولكن الأصح أن أجهزة الدولة المعنية بهذا الشأن قادرة على إنجاز المهمة على وجهها المطلوب فمع الطفرة الهائلة في تقنية المعلومات وجمع البيانات أضحى كل شيء في متناول اليد، ويجب ألا نألوا جهداََ في سبيل رفعة هذا البلد وإقالة عثرته ليعود عملاقاََ شامخاََ كما كان في السابق..