سودانيون

الأمين علي حسن يكتب.. يروى أن: هل نحن أمام قيم روسية جديدة؟!

يروى أن

الأمين علي حسن

هل نحن أمام قيم روسية جديدة؟!

قد لا تكون مقارنتي هنا موفقة ولكن حركة التاريخ تروي لنا ان رجلا من ذات البلاد عندما ضاقت الارضت بالمستضعفين ايام حملات المغول شق عصا الطاعة عن قومه واعلن مبايعته للخليفة العباسي المعتصم بالله واعلن موقفه للتاريخ مناصرا ومدافعا حتى تحالف لاحقا مع الظاهر بيبرس الذي اعجب به اشد اعجاب بل سمى ابنه الاكبر عليه بركة خان لذلك قال البعض ان البلاد التي انجبت هلاكو وجنكيز خان انجبت من ذات العائلة بركة خان واحد من اهم القادة في التاريخ الاسلامي .
مرت هذه البلاد بمحطات وتطورات مختلفة في تاريخها بدا من العام 862م ايام الدولة الروسية القديمة (روس كييف) مرورا بمحطات وتقلبات سياسية في اشكال الحكم والادارة مابين امارة وامبراطورية واتحاد جمهوريات وجمهورية حتى عهدها الحالي الذي بدأ مع فلادمير بوتن والذي اعقب صدمة التفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي بسنوات قليلة ليبدأ عهدا ذهبيا جديدا في التاريخ الروسي رغم ان البعض كان يظن ان الانهيار الذي حدث مابين ١٩٩١-١٩٩٢هو النهاية الحتمية .
لان طبيعة الدول تكبر فتشيخ فتنهار ولكن الروس القادرون على الابهار غيروا المعادلة انهيار ثم خروج اقوى وبداية عهد جديد يتشكل بين قوة الماضي ومواكبة الحاضر . بدأ بوتن عهده متوازنا في العلاقات الخارجية خاصة مع دول العالم الثالث وكأنه يسعى لخلف حلف جديد ضد الهيمنة الغربية وظل كل يوم يكسب احترام الشعوب بصورة اكبر بل استطاع مصالحة الشعوب المسلمة رغم القطيعة التي كانت حاضرة ايام الاتحاد السوفيتي والتطرف الشيوعي حينها .
بدات الحملة الغربية تشتد ضد بوتن بصورة كبيرة خاصة ان بعض الدول الغربية ترى ان التوجه الجديد لروسيا خصما على امتيازاتها التاريخية ففي افريقيا وحدها توغلت روسيا في نصف القارة وسحبت البساط عن دولة فرنسة التي كانت تنظر الى افريقيا وبالذات دول غرب افريقيا باعتبارها مخزون استراتيجي ومنطقة امتيازات تاريخية لايمكن الاغتراب منها ولكن التوجه الروسي الجديد مع رغبة الشعوب في التحرر واستقلالية القرار غيرت كثير من الموازين وليس النيجر ومالي وبوركينا فاسو ببعيد .
على الرغم من ان روسيا هي الاخرى تسعى لمصالحها وتحميها بالطريقة التي تراها مناسبة ولكنها استطاعت ان تقدم خطابا اقرب لوجدان الشعوب التي تعاني من هيمنة الغرب وسعيه لسرقة مواردها .
فالخطاب الروسي في كل المحافل يتحدث عن ضرورة التخلض من الهيمنة الغربية واعطاء البلدان حق السيادة واصلاح المؤسسات الدولية وعدم الكيل بمكيالين في بعض القضايا ومعالجة قضية الصراع العربي الاسرائيلي والتي تعد من اكبر المشكلات التي واجهت العالم في عصره الحديث .
خاصة ان الحرب الاخيرة على غزة شهدت انحيازا واضحا من قبل الغربين بالذات الولايات المتحدة الامريكية للجانب الاسرائيلي رغم ان الموقف الروسي ظل اقرب للمجموعة العربية وظل مناهضا للانحياز الامريكي .
اما مايهمنا هنا هو قضية الحرب في السودان والتي اتخذت فيها روسيا موقفا مختلفا عن التوجه الغربي الذي مازال يساوى بين المعتدي والمعتدى عليه فالغربين لم يتخلصوا بعد من مفردة الطرفين بل ظلوا يدعمون بعض المجموعات اللبرالية واليسارية رغم علمهم بعدم تأثيرها في المجتمع السوداني اضافة لرفض الدول الغربية تسمية الداعمين لمليشيا الدعم السريع بل جسد الرفض البريطاني لشكوى السودان في مجلس الامن قمة الغطرسة الغربية وافتقار الغرب لتطبيق العدالة ظلت القضية السودانية مكان تنازع بين الدول ولكن الموقف الروسي هو الاقرب لوجدان السودانين حتى جاءت الجلسة الاخيرة التي تقدمت فيها المملكة المتحدة بمشروع قرار اقل مايوصف بانه توجه استعماري جديد يسلب من السودان سيادته وسلطته على اراضيه لتفاجئ روسيا العالم بفيتو هو الاول في التاريخ لصالح السودان بل ان خطاب المندوب الروسي كان يعبر بلسانا سودانيا صادقا تحدث عن قيم العدالة والمواساة وحق الشعوب في سيادتها على اراضيها وضرورة ادانة المعتدي وعدم المقارنة بين مؤسسات الدولة ومن يتمرد عليها وضرورة موافقة السودان على اي قرار يتخذ في المؤسسات الدولية . هكذا انتصرت روسيا للقيم الانسانية النبيلة وتوفير الحماية للاصدقاء في وجه الغطرسة الغربية .
كان الفيتو الروسي مفاجئا وربما حتى للسودانين انفسهم ولكن في تقديري هو اتتصارا لقيم ظلت روسيا بوتن تؤمن بها منذ فترة ليست بالقليلة .
صحيح روسيا لها علاقة تاريخية مع السودان وتسعى الان لتوطيدها بصورة اكبر من خلال السعي للتواجد في ساحل البحر الاحمر والرغبة في تبادل المنافع من خلال بعض الموارد مثل الذهب والبترول .
ولكن الظروف الحالية في العالم هي الاخرى خدمت السودان كثيرا في هذا الفيتو اهمها الموقف الغربي الداعم لاكرونيا والانحياز لاسرائيل في حربها ضد غزة ولبنان . فروسيا ارادت معاقبة المملكة المتحدة وكسر هيبتها امام العالم بسبب دعمها لاكرونيا بالمال والسلاح اضافة للحديث الامريكي المتكرر عن حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها وهكذا وجدت روسيا مدخلا مهما حيث قال مندوبها ان السودان هو الاخر يدافع عن نفسه ويسعى لحماية اراضيه ولذلك يجب عدم الكيل مكيالين .
ويظل السؤال هل القيم التي بدأت تظهر من خلال الخطاب الروسي قادرة على ان تسود العالم ام هي توجه مرحلي تحكمه المصالح فقط؟!

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.