سودانيون

أسامة عبد الماجد يكتب: خيارات الحكومة وهدنة الجنجويد

أسامة عبد الماجد يكتب: خيارات الحكومة وهدنة الجنجويد

0 كما كان متوقعاً من جانبنا إلى حد كبير، وافقت مليشيا أولاد دقلو على الهدنة المقترحة.. ولهذا كنت قد اقترحت أن يبادر الرئيس البرهان باستباق الأحداث، ويقبل بهدنة لمدة شهر واحد فقط وليس ثلاثة أشهر.. مع وضع شروط محددة، أولها الرفض القاطع لوجود الإمارات ضمن الرباعية.. وبالمناسبة، فإن بعض الرافضين للهدنة والفرحين بعدم إعلان الحكومة قبولها رسمياً.. يتحدثون عن “الرباعية” وبذلك يعترفون ضمناً بدور الإمارات كوسيط.. ومن بين هؤلاء من يمدح الرئيس، على حساب القوات المسلحة.. المهم الان هو تحليل أسباب قبول المليشيا للهدنة دون شروط وخيارات الحكومة.. وأرى أن قبول المليشيا يعود إلى سبعة أسباب رئيسية:

0 أولاً: الضغط الدولي والإقليمي.. من المرجح أن المليشيا تعرضت لضغوط كبيرة من قِبل قوى دولية.. ما دفعها لقبول الهدنة في محاولة لامتصاص الغضب الدولي.. بعد جرائمها البشعة ولكسب بعض التعاطف أو الدعم الخارجي.

0 ثانياً: الوساطة الدولية.. قد تكون بعض الجهات الدولية قد عرضت وساطتها لترتيب الهدنة ضمن جهود وقف الحرب.. ويبدو أن الجنجويد قبلوا بها لتجنب مزيد من العزلة السياسية.. خاصة بعد الإدانات الواسعة التي وُجهت إليهم بسبب الجرائم الوحشية في الفاشر وبارا.. والتي أجهضت ما تبقى من طموح سياسي لهم ليكونوا جزءاً من المشهد السوداني.

0 ثالثاً: استراحة استراتيجية.. ربما قبلت المليشيا بالهدنة كخطوة تكتيكية تمنحها وقتاً لإعادة تنظيم صفوفها.. أو لتأمين الإمدادات والتمويل خلال فترة الهدوء.. بما يحسن موقفها العسكري واللوجستي.. وهذا المقترح يكون من داعميها.

0 رابعاً: السعي للشرعية الشكلية.. تحاول المليشيا، رغم جرائمها وانتهاكاتها التي ترقى إلى الإبادة الجماعية.. أن تظهر بمظهر الطرف الساعي إلى السلام، عبر القبول بالهدنة.. خاصة بعد الغضب الشعبي الواسع تجاهها لاسيما في كردفان بعد اغتيالها لناظر المجانين بمسيرة.. واغتيالها لامير دار حمر بمحاصرته ومنع العلاج عنه.. والسبب الثاني لتبدو كأنها جزء من العملية السياسية، خاصة بعد شروع القوات المسلحة مؤخرا للتقارب مرة أخرى مع القوى الوطنية الداعمة لمعركة “الكرامة”، (لجنة كباشي).

0 خامساً: ضعف الموقف العسكري.. رغم دخولها مدينة الفاشر، تواجه المليشيا ضغوطاً متزايدة في عدة جبهات بعد الهبة الشعبية خاصة في كردفان.. وخسائر ميدانية متصاعدة عقب تكثيف الجيش لهجماته.. مما دفعها إلى قبول الهدنة لتفادي مزيد من التراجع العسكري.

0 سادساً: الانقسامات الداخلية.. تشهد المليشيا خلافات وانسلاخات داخلية دفعت قادتها إلى محاولة تهدئة الموقف.. وإعادة ترتيب صفوفهم ومعالجة الأزمات الداخلية التي تهدد تماسكهم.. بعد تمرد ابناء بعد القبائل من غير العشيرة التي ينحدر منها كبار عصابة المليشيا (اولاد دقلو).

0 سابعاً: محاولة إحراج الجيش.. سعت المليشيا لإحراج القوات المسلحة، خصوصاً إذا توقعت أن الجيش سيرفض الهدنة.. لتصوبره أمام المجتمع الدولي كطرف غير راغب في السلام أو غير قادر على إدارة الأزمة.

0 ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: ما المطلوب من الحكومة في هذه الحالة؟

هناك أربعة ترتيبات ضرورية:

0 أولاً: الاستعداد السياسي والعسكري.. ينبغي أن تكون القيادة جاهزة للتعامل مع هذه التحركات سياسياً مع الحفاظ على الموقف العسكري الصارم، وتجنب الانجرار إلى مفاوضات بلا نتائج ملموسة.

المزيد من المشاركات

0 ثانياً: الحفاظ على التماسك الداخلي.. يجب أن يظل الجيش متماسكاً ومتحداً في استراتيجيته، كما عهدناه في احلك الظروف.. وأن يكون قرار القبول أو الرفض مبنياً على تقييم شامل للموقف العسكري والسياسي، وليس قراراً فردياً من الرئيس وحده.. كما ينبغي التعامل بحذر مع المساعي الخارجية التي قد تهدف إلى إعادة “قحت” وواجهاتها للمشهد.

0 ثالثاً: التواصل الفعال مع المجتمع الدولي.. رغم وضوح الصورة وان المليشيا ارهابية واجرامية، على الحكومة أن تواصل شرح موقفها بوضوح عبر الأمم المتحدة والأطراف الإقليمية الصديقة، وعلى رأسها تركيا وقطر والتواصل مع السعودية بعيدا عن مظلة ما يسمى بالرباعية.. لتعزيز شرعيتها الدولية وتثبيت موقفها الدبلوماسي.

0 رابعاً: عدم التأثر بحلفاء الداخل..

هناك بعض الكتاب والسياسيين المحسوبين على التيار الداعم للجيش والحكومة، لكنهم –من حيث لا يشعرون– يمثلون عبئاً بسبب ضحالة رؤيتهم وسطحية تفكيرهم.. بعضهم يسعى وراء مصالح شخصية أو مناصب، ويكثرون من الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي.. لتضخيم ذواتهم، مما يربك المشهد ويشوش على القيادة والحكومة.

0 وبالعودة إلى السؤال المحوري.. هل ترفض الحكومة الهدنة؟ أم تقبلها؟ أم تقبلها بشروط؟ وما مخاطر كل خيار وكيف يمكن التحسب له؟

0  رفض الهدنة.. الرفض المطلق سيكون خياراً صعباً في ظل الضغوط الدبلوماسية الدولية والإقليمية.. إذ قد يؤدي إلى تعقيد الموقف ودفع المليشيا وحلفائها لاستخدام ورقة “التدخل الدولي”، مما يهدد السيادة الوطنية.. وللتعامل مع هذا الخيار، يجب تعزيز قدرات الجيش، وتوسيع دائرة التعبئة والاستنفار.. ومواصلة العمليات الهجومية حتى تحقيق الحسم العسكري الكامل كما حدث في الخرطوم والجزيرة وسنار.

0  قبول الهدنة دون شروط.. مخاطره انه قد يحرج الحكومة داخلياً ويفسر على أنه تراجع للقيادة عن المواقف السابقة.. كما أنه يمنح المليشيا فرصة لإعادة تنظيم نفسها.

وللتحسب لذلك، ينبغي أن تستغل القوات المسلحة فترة الهدنة لترتيب صفوفها وتعزيز جاهزيتها.. استعداداً لجولات حاسمة قادمة، مع الاستفادة من المناصرة والدعم الدولي الذي اكتسبته البلاد بعد مجازر الفاشر.

0  قبول الهدنة بشروط.. يُعد هذا الخيار الأكثر واقعية من الناحية الاستراتيجية.. واقترحناه الايام الماضية.. حيث تشترط الحكومة انسحاب المليشيا من المناطق المحتلة.. ووقف الانتهاكات ضد المدنيين، وقطع تدفق السلاح والمرتزقة.. لكن مخاطر هذا القرار تكمن في احتمال استغلال داعمي المليشيا لهذا القبول لفرض حوار سياسي مع المليشيا وذراعها السياسي “قحت” بأشكالها المختلفة.

0 ومهما يكن من أمر، فإن التحسب النهائي لقرار قبول الهدنة بشروط.. يظل بيد المؤسسة العسكرية، ما لم تطرأ مفاجأة مقبل الأيام.

الجمعة 7 نوفمبر 2025

osaamaaa440@gmail.com

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.