مجلس “الأمن والدفاع”.. الاستعداد لمعارك التحرير..
انعقد برئاسة البرهان لأول مرة بالخرطوم.. وانتهى "دون إقرار هدنة"
تقرير: محمد جمال قندول
أمس توجهت الأنظار لاجنماع مجلس الأمن والدفاع الذي انعقد َ بالعاصمة الخرطوم للمرة الأولي منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل وفي ذلك رمزية مهمة.
إرهاصات المقترح الأمريكي المطروح على الحكومة السودانية والقاضي لهدنة إنسانية لثلاثة أشهر سيطرت على مجالس السودانيين وأعطت الاجتماع زخمًا كبيرًا.
مقترح وقف النار الأمريكي سيطر على مجالس السودانيين..
التعبئة
وعقد مجلس الأمن والدفاع جلسة طارئة بولاية الخرطوم برئاسة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، وبحضور كامل عضوية المجلس، وذلك ظهر أمس (الثلاثاء)، فيما تم استعراض الموقف السياسي، والعسكري، والأمني، في جميع جبهات القتال في السودان.
وقال وزير الدفاع الفريق حسن داؤود كبرون في تصريحات صحفية عقب نهاية الاجتماع إنّ المجلس ناقش الأوضاع بالفاشر والانتهاكات الجسيمة وغير المسبوقة التي ارتكبتها ميليشيا آل دقلو الإرهابية بحق المدنيين والتي وجدت إدانة من المجتمع الدولي.
وأضاف وزير الدفاع بأن الاجتماع اصطحب الوضع الإنساني في البلاد والمهددات الأمنية والاستعداد للعمليات الجارية والمستقبلية، كما تطرق إلى المبادرات المقدمة من بعض الدول والأصدقاء، مشيرًا إلى أنّ المجلس أعرب عن ترحيبه بالجهود المخلصة التي تدعو لإنهاء معاناة السودانيين التي سببتها ميليشيا التمرد. وشكر كذلك لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية ولمستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس، على جهوده المقدرة، فضلاً عن الترحيب بأي جهد يسهم في إنهاء معاناة الشعب السوداني.
المجلس استعرض الموقف السياسي والعسكري والأمني بجبهات القتال في السودان..
وقال داؤود كبرون بأنّ المجلس دعا لاستنهاض واستنفار الشعب السوداني لمساندة القوات المسلحة للقضاء على الميليشيا المتمردة في إطار التعبئة العامة وجهود الدولة من أجل إنهاء هذا التمرد.
ويرى الخبير والمحلل السياسي د. وليد الطيب أن ما خرج من اجتماع مجلس الأمن والدفاع يتضمن إشارات مهمة جدًا، إذ يحمل المسؤولية للمجتمع الدولي لعدم اتخاذه موقفًا واضحًا وعمليًا فيما يتعلق بانتهاكات الميليشيا بحق السودانيين في الفاشر ودارفور والسودان بشكلٍ عام.
وليد الطيب واصل في تفكيك بيان مجلس السيادة، حيث أشار لتواصله مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصديقة فيما يتعلق بالبحث عن سبل تحقيق السلام في السودان. غير أن المجلس لا يشعر أن كل المبادرات المطروحة في هذا الصدد حتى الآن تُلبي تطلعات الشعب السوداني على نحوٍ يحقق الأمن والسلام.
ويرى وليد بأن مجلس الأمن والدفاع كأنما تحسس مطالب الشارع والقوات المسلحة بأن المبادرات المطروحة الآن لهدنة وحاول يخاطبها بطريقة هادئة ومطمئنة.
الاجتماع حمل المجتمع الدولي مسؤولية ما يحدث فى الفاشر لعدم اتخاذه موقفًا عمليًا..
انتقال
وذهب الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عمار العركي إلى أن اجتماع مجلس الأمن والدفاع كشف عن تحوّلٍ جوهري في مزاج الدولة وإرادتها، إذ أنه لم يحمل نبرة المهادنة التي هلل وروج لها متعاطفون مع المليشيا المتمردة، وجاء حاسمًا في لهجته، قويًا في رسائله، ومخالفًا لتوقعات كثيرين كانوا يعقدون آمالهم وأقلامهم وأصواتهم على تمرير مشروع هدنة التسعة أشهر.
وتابع محدّثي: هؤلاء تلقوا البيان كصدمة سياسية، إذ جاء على غير ما أرادوا، فأنهى عمليًا الرهانات على هدنة طويلة تُبقي على الميليشيا وتمنحها فرصة لإعادة التموضع العسكري والسياسي.
وبحسب د. عمار فإن الاجتماع يأتي في إطار قطع الطريق أمام أي محاولات لتدوير الأزمة أو فرض واقع سياسي جديد على حساب تضحيات وإرادة الشعب.
الموقف من الهدنة لم يكن رفضًا مطلقًا لمبدأ وقف النار، بل رفضًا لتلك الصيغة التي أُريد بها تعطيل مسار الحسم الميداني وتحويل السودان إلى ساحة مساومات دولية.
وجاء البيان ليعيد تعريف الهدنة كوسيلة إنسانية مشروطة بالسيادة، لا غطاء سياسي لميليشيا متمردة.
كل المبادرات المطروحة حتى الآن لا تُلبي تطلعات الشعب السوداني..
ويواصل العركي ويقول إنّ البيان حمل أبعادًا سياسيةً وعسكرية؛ إذ وضع المجلس خطوطًا حمراء واضحة، مؤكدًا أن الحرب لم تعد مجرد صراعٍ داخلي، بل مواجهة مع مشروع يستهدف بقاء الدولة نفسها، لذلك جاءت لغة البيان قوية ومباشرة، مشددة على عدم تكرار مأساة الفاشر، وعلى المضي في عمليات الاستنفار والتعبئة، في الوقت الذي وجّه فيه انتقادات حادة لتقاعس المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته الخاصة بحظر السلاح عن الميليشيا.
وزاد بالقول: في جوهر رسالة المجلس، إنّ السودان لن يقبل أن تُفرض عليه تسويات قسرية تحت عناوين إنسانية، وإنه منفتح على المبادرات الصادقة فقط بالقدر الذي يحترم سيادته وإرادته الوطنية.
وفي المقابل، بعث البيان برسالة داخلية قوية بأن الدولة ممسكة بزمام الأمور، وأنها تخوض معركة البقاء بثقة وتوازن، رافضة كل محاولات الإرباك التي تُبث عبر الإعلام أو عبر الواجهات السياسية المرتبطة بالمتمردين.
البيان أنهى عمليًا الرهانات على هدنة طويلة تُبقي على الميليشيا..
واعتبر محدّثي في ختام إفادته بأن البيان ليس مجرد موقف رسمي، بل إعلان عن انتقال نوعي في إدارة الصراع، يُنهي مرحلة المراهنات الرمادية ويفتح الباب لمرحلة الحسم المحسوب، حيث تتقاطع الميدانية بالسياسية في إطار رؤية وطنية متماسكة، تؤكد أن السلام الحقيقي لن يولد من رحم هدنة إنسانية مُسيسة ومفروضة، بل من انتصار الإرادة الوطنية التي قررت أن تصنع سلامها من موقع القوة لا من موقع الانكسار.
* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)