حديث السبت
يوسف عبد المنان
سقطت الفاشر ونهاية الحرب ليست في طويلة
المال العربي والسلاح العربي يحصد الدم السوداني
أبواق المليشيا لن تنال من الأبيض
ولن تسقط الدلنج وبابنوسة
1️⃣
استعير عنوان هذا المقال من مقولة شاعر الاتحاد السوفيتي الكبير، فلادمير مايكوفسكي: (نهاية العالم ليست خلف النافذة) قبل أن يطلق رصاصة على راسه، ويموت منتحراً في ذلك اليوم من شتاء عام 1930م، ولو عاش فلادمير حتى شاهد الرعب والموت والسحل الذي حاق بأهل مدينة منسية في بلد كبير المساحة صغير المكانه عند عالم مابعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لأطلق الشاعر النار من مسدسه على الآخرين من حوله، قبل أن يصوب الرصاصة الأخيرة على راسه. والعالم يسقط في امتحان الضمير والأخلاق كما قلت لقناة الجزيرة، التي تحدثت إليها يوم الخميس، بعد أن سيطرت على النفس الكآبة والحزن والضيق، والضجر، إلا ومضات من قراءة في كتاب (ابن تيمية حياته وعصره آراؤه وفقهه) للإمام محمد ابوزهرة. وحينما أشعر بشرود العقل اتكئ على رواية فاطمة المرنيسي، تحت عنوان شهر زاد َليست مغربية، وإلا لعاودتني أمراض الكبر من ضغط الدم والمصران والقلب، جراء ماحدث من سقوط لمدينة أحببت هضابها وتلالها، وهي بالنهار تضاريس، وبالليل باريس، مدينة قاومت الفجور والعدوان والكفران والعصيان، ثلاثة أعوام الا قليلاً.. إنها الفاشر تصد عن شرفها البغاة الأوباش الأنجاس. ونحن حكومة وشعباً ندرك تلك اللحظة التي جمع فيها شخصٌ يدعي ابولؤلؤة المجوسي – قاتل سيدنا عمر بن الخطاب – جمع شباب الفاشر وأطلق عليهم الرصاص، ويحصي عدد الموتى متعهدا لعبدالرحيم دقلو بقتل اثنين ألف من أهل السودان، تشفياً وانتقاماً، ولكننا لم ننقذ الفاشر وتخاذلنا عنها، وانتظرنا انتصاراً يأتي عبر أجهزة الهاتف السيار، وتركنا إساغة، وعائشة، وابكر وهارون، وأحمد وسرالختم، يقتلون ويحرقون ولم يتح لهم القاتل حتى أن يتجرع أحدهم كوب من الماء!! يدلقه في جوف جائع، حتى بدت الأجساد نحيلة والعيون مصغرة غارقة الدهشة والذهول.
ونحن كنا هنا في بورتسودان، وأم درمان وعطبره ودنقلا، نأكل البيتزا الايطاليه، ويجترع بعضنا الكدوس، وكما يقول الشريف الأستاذ زين العابدين الهندي وهو يرثى السودان قبل رحيله كأنه يبصر ما وراء الحجب بقلبه وعقله، ماحاق بنا من هوان وضعف، ومؤامرة لاتزال تلفي بكلكلها على صدور هذا الشعب الصامد.
سقطت الفاشر في يوم عبوسٍ قمطريرا، وانتشرت في الميديا صور القتل البشع، التي يطرب لها العنصريون من أهل هذا الوطن المنكوب، وتقشعر لها جلود الذين آمنوا بالإنسانية، ولم تحدثهم أنفسهم على ظلم الناس، أولئك مبرؤون ممافعله عبدالرحيم وحميدتي بأهل الفاشر، وهو يقف في تلة عاليه ويخاطب وحوشاً انتصرت بسلاح العرب، ومال العرب، ونفوس جنود دقلو المتعطشة للدماء، والفاشر كلها أصبحت رهينة في يد الجلاد، تحاصرها جحافل الموت، وازير الطائرات يصم الأذان، وكأننا نقرأ مع ابن هذه المدينة التي لانعرف أين قذفت به الأقدار ولفظته إلى بلاد وراء بلاد، ام اشتراه تاجر لحمير !! (مكاده) وسقط في مستنقع العمالة.
وعالم عباس محمد نور قبل سنوات أبصر الفاشر وهي تحترق مثل روما وقال:
هو البوم في غابة الموت ينعق ..
وانشقت الأرض تنشر ثوب الخطايا ..
فما تحمل الريح الا النواح ..
وبعض الشظايا والرماد
ازري بنا العار وصرنا عرايا..
فيا صاحبي في الرزايا
رماد كاطلال سعدي رماد
رماد كانقاض عاد وبقايا .. كثارات
ذات العماد
في سقوط الفاشر سقوطا لمن اغواه مال الإمارات والعرب، الذين يقتلون أهل السودان بمالهم وبسلاحهم من أجل توطين عرب الشتات، وممن لا وطن لهم إنهم ( بدون) أفريقيا كما بدون الخليج، ولكن هل إذا نجحت خطة توطين البدون العرب في دارفور ذلك مقدمة لحل مشكلة انسانيه في بلدان العرب لإنسان يدعي البدون؟؟
2️⃣
رقصت أحزاب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني وبعض المنشقين من الحزب الاتحادي الديمقراطي وقليل من مطرودي الحزب الشيوعي، طرباً وفرحاً وأقامت سرادق الأفراح في الفيسبوك والواتساب لسقوط الفاشر، وإعدام أهل المدينة على الهويه العرقية!! أن كنت اشعث اغبر شعرك (قرقدي) رجلا كان ام فتاة (ام شعيرا قرقد بالدهان مابرقد الا بالبنسات) مصيرك زخة من بندقية بأمر حميدتي وان كنت اسمر اللون من تنقاسي أو من الجزيرة التي شلعوها الجنجويد، فإن مصيرك مثل أخيك من كارنوي وخزان جديد، مجرد رصاصة وتسيل الدماء في أرض الفاشر، إعلانا عن نهايه وبدايه نهاية حصار لمدينة وبداية لثورة تتجاوز حكومة السودان التي تكبلها الالتزامات التي وقعتها مع كفلاء القتلة عن الثأر لكلتوم وشطه ولماذا تذكرت هنا المرحوم الشرتاي أزهري شطه الذي استراح في قبره قبل أن يشهد مزبحة خالته عشه وعمته فاطنه وخاله أبكر، الذي رقص لموته عبدالله حمدوك في قصره بإمارة أبوظبي، وتغني له الواثق البرير بصوته الطروب (ياريتني لو اقدر اقول فيك يادقلو الكلام الماتكتب) يتغنى هؤلاء فرحاً بسجل الفاشر البشع، وهم في سكرتهم يعمهون، ويزعمون أنهم يحاربون الإسلام السياسي، وبأن كل سكان مدن السودان إسلاميين، و عندهم هؤلاء القوم ليسو بشراً يستحقون الحياة، *وجعلوا من الفاشر مقبرةً كبيرةً، قبرت فيها حتي الآن أربعة ألف من الأنفس، ولا زال تنظيم صمود صامداً، ورجاله ونساؤه يحملون المباخر لطرد الشيطان من قصور ال نهيان ويقف من وراء مكفولهم حميدتي، الأطباء والقضاة وصحفيين وعسكر متقاعدون صفوف صفوف من حارقي البخور داخل حظيرة الدعم السريع يطوفون حول القتلة الاوباش منهم المبايعون على الطاعة ومنهم العاكفون ومنهم الركع والسجود بين قدمي ال دقلو وهم يتزاحمون حول بابه في انتظار العطايا بعد أن صار الظل ظلا من يحموم لابارد ولا كريم.
كان انتشار الإعلام الذي نقل فظائع الموت قد أيقظ الضمير الإنساني في الدول الغربية ولكن من غير الشعب المصري الذي أغلق دار الأوبرا ومن غير عوني قنديل الذي أدان الاتحاد الذي يرأسه ماحدث من مجازر في دارفور ومجازر أخرى منسية في بارا بشمال كردفان صمت الجميع على العار العربي في دولة اختارت لها النخب التي قادت الاستقلال الانتماء للعرب وتلك كانت خطيئة في نظر الكثيرين وتبدت صحة موقفهم الآن بعد مضي كل هذه السنوات والمال العربي والسلاح العربي يفعل بالسودان مافعله اخيرا وما الفاشر الا شاهداً على التاريخ..
3️⃣
في مفاوضات نيفاشا التي أنهت صراعا داميا بين الشمال والجنوب ماكان له أن يتطاول كل هذه السنين لو أن كل امرء في السودان احتل مكانه، ولو لم نمنح المال للبخيل والسيف للجبان، ولو امعنا النظر في مطالب أهل الجنوب في الحكم الفيدرالي حتى سدت كل الدروب المفضية للوحدة وانفتح باب الانفصال، وحينها فاوض السودان الشمالي دول الترويكا جميعها. والاتحاد الأفريقي وكانت لكل دولة أوروبية مبعوثا حتى البرازيل جاءت برجل من أصول لبنانيه ولم تقف اي من الدول العربية مع السودان حتى مصر أقرب العرب للسودان شغلتها مصالحها حول مياه النيل عن سائر بقية القضايا التي وضعت على الطاولة، وحرب الجنوب اصلا ماكان لها أن تندلع لولا خيارات بائسة جدا اتخذها القادة الأوائل من مؤتمر الخريجين والاقرار بأن السودان جمهورية عربية مثل سوريا والعراق واليمن وفرض على طلاب المدارس اناشيد تمجد العرب وتتجاهل المكون الأفريقي لهذا البلد الذي ابتلى بايدلوجيا دهريه تنطلق من أحلام الوحدة العربية الشاملة وبسبب ذلك الانتماء العربي والإصرار عليه والتعامي عن حقائق الواقع خسر السودان ثلث أرضه وانفصل الجنوب الذي لم تدفع دولة عربية واحدة مالا لقيام مشروع تنموي يقرب العرب لوجدان الجنوبي المسلم قبل المسيحي حتى انفصل الجنوب والعرب غيابا عن مسرح التفاوض وغيابا عن تقديم العون لدولة دفعت ثمن انتمائها للعرب حربا ثم جاء أوان أن تخسر أرضها واليوم يقدم العرب فصلا آخر من الخذلان والسلاح العربي والمال العربي، والتحريض العربي من يمهد لفصل دارفور، وقد غرقت الفاشر في الدم بسبب المال العربي والسلاح العربي وحتى بيانات الدول العربية حيال ماجرى في الفاشر كانت بيانات هزيلة لم تقدم أي دعم حقيقي للحل ولا توقفت الدول العربية عن تصدير السلاح لقتل أهل السودان ولكننا ننتظر العرب، والعرب ماتوا قديماً ولم تبق إلا الأشباح والصور، كما قال نزار قباني رحمه الله.
01 نوفمبر 2025م