عبدُ القادرِ محمد أحمد يكتب: لينا يعقوب.. فرحٌ سودانيٌّ يمتزجُ بنقاءِ قلوبِ أهلِ السودان
عبدُ القادرِ محمد أحمد يكتب: لينا يعقوب.. فرحٌ سودانيٌّ يمتزجُ بنقاءِ قلوبِ أهلِ السودان
في زمنٍ تختلطُ فيه النوايا على صفحاتِ التواصل، تبقى الأفراحُ حقًّا إنسانيًّا ومحطّاتِ نقاءٍ تستحقُّ الاحترامَ بعيدًا عن الغبار ، ليسودَ بياضُ القلوبِ وتفيضَ بالمحبّةِ والاحترام.
اليومَ، 18 أكتوبر 2025م، تشهدُ قاهرةُ المَعِزِّ حفلَ زفافِ الإعلاميّة لينا يعقوب، مناسبةً تُبهجُ كلَّ من عرفها قلمًا، وخُلُقًا، وتَرَفُّعًا. تُعيدُ “لينا” إلى الواجهةِ صورةَ الفتاةِ السودانيّةِ المثقّفة التي صنعت لنفسها مكانًا بالعلمِ والتفوّق. إعلاميّةٌ صاحبةُ رأيٍ متوازنٍ، وصوتٍ ناقدٍ موضوعيٍّ. تكتبُ بقلمٍ مهنيٍّ ناضجٍ، يبحثُ عن الحقيقةِ لا عن الإثارةِ. تتّسمُ مداخلاتُها الإعلاميّةُ بالمسؤوليّةِ، وتُديرُ حواراتِها باقتدارٍ ووعيٍ واحترام.
“لينا”، سيرةُ أسرةٍ محترمة لها إسهاماتها في تاريخ السودان، ومعروفةٍ بصلاتها المهنيّةِ الممتدّةِ في ميادينِ التعليمِ، والإدارةِ، والقانونِ، والاقتصادِ، وأخيرًا الإعلامِ. والدُها، يعقوب محمد علي حميداب، بحرٌ في علومِ التاريخِ والأنسابِ، خدمَ وطنَه كإداريٍّ في وزارةِ الحكمِ المحليِّ، ثم في مستشفى العينِ بأبوظبي، تاركًا سيرةً ناصعةً بين مختلفِ الشعوبِ في مجتمعِ دولةِ الإمارات.
أعمامُها وخِيلانُها من الاقتصاديّينَ والقانونيّينَ والمعلّمينَ المتميّزين، بعضُهم شغلوا مناصبَ محاسبينَ ومديري بنوكٍ داخلَ السودانِ وخارجهِ. ولصعوبةِ الحصرِ، نكتفي بجزء من سيرةِ عَلَمَيْن:-
مولانا يوسف محمد علي حميداب، من الرعيلِ الأوّلِ لمستشاري وزارةِ العدلِ. عملَ مقرّرًا لمؤتمرِ المائدةِ المستديرةِ الذي انعقدَ في مارس 1965م لمناقشةِ قضيّةِ الجنوبِ، وشاركتْ فيه أحزابٌ شماليّةٌ وجنوبيّةٌ، وخرجَ بتوصياتٍ مرضيةٍ لكلِّ الأطرافِ. ثم انبثقتْ عنه “لجنةُ الاثني عشر” التي تولّى رئاستَها يوسف، وأُنيطَ بها مهمّةُ دراسة الوضع الدستوري الإداري، الذي يحقق مصلحة الجنوب والوطن الأم، وتقديم تقريرها للمؤتمر في دورةٍ لاحقةٍ للتنفيذ.
في كتابِه «السودان والوحدةُ الوطنيّةُ الغائبةُ»، يروي يوسف أنَّ بعضَ قادةِ الشمالِ سعوا لإفشالِ اللجنةِ، ورغمَ ذلك قدّمتْ تقريرَها النهائيَّ. غيرَ أنَّ الساسةَ عطّلوا انعقادَ الدورةِ الثانيةِ للمؤتمرِ تجنّبًا لتنفيذِ التوصياتِ التي أصدروها بأنفسِهم.
ثم جاءَ النميري واستندَ عليها كأساسٍ لاتّفاقيّةِ أديس أبابا 1972، التي حقّقتْ سلامًا امتدَّ لعشرِ سنواتٍ، مارس خلالها اهل الجنوب حكما إقليميًا ذاتيا أرضى مطالبهم. لكنّ النميري قامَ بنقضِ الاتفاقية بنفسِه، ومن بعدِه جاءت الإنقاذُ وحوّلتْ مطلب اقتسامِ السلطةِ والثروةِ لحربِ جهادٍ ودماءٍ فوقعَ الانفصالُ، لتمتدَّ الأزمةُ إلى مناطقَ أخرى، بذاتِ أسبابِها، وتكونَ هي العاملَ الخفيَّ الذي يُغذّي حروبَ السودانِ، بما فيها حربُ اليومِ. وهي في جوهرِها أزمةٌ أخلاقيّةٌ بامتياز قبلَ أن تكونَ سياسيّة.
بعدها هاجرَ يوسف ليعملَ كأوّلِ قاضٍ بأبوظبي “العين” بعد خروجِ المستعمرِ وقبلَ الاتحاد، وكان مقرّبًا ومحبوبًا من المؤسّسِ الشيخ زايد، حكيمِ العربِ.
من أعمامِ “لينا”، الشهيدُ الأستاذُ محمد أحمد محمد علي حميداب، خريجُ الآداب كلّيّةِ غردون ، الذي عملَ أستاذًا بمدرسةِ وادي سيدنا الثانويّةِ، ثم آثرَ أنْ يلتحقَ بحملةِ التوعيةِ الراميةِ إلى تغييرِ النظرةِ السلبيّةِ تجاهَ الشماليينَ لدى أبناءِ الجنوبِ. وقد استُشهِد في رمبيك أثناءَ أحداثِ الجنوب، 1954 – 1955، ليكونَ شهيدَ نشرِ العلمِ والوعيِ وترسيخِ الوحدةِ.
دفعتِ الحكومةُ تعويضًا لأسرِ الشهداءِ، فقامَ والدُ وأخوةُ الشهيدِ بإنفاقِه في إنشاءِ مدرسةٍ باسمه في منطقتِهم ناوا – الأُتر، لتصبحَ جزءًا من معالمِها، إلى جانبِ الأثرِ التاريخيِّ؛ مسجدِ عبد الله بن أبي السرح. وقد أسهمتْ بدورٍ كبيرٍ في توسيعِ التعليمِ الأساسيِّ وتسهيلِ فرصِ الدراسةِ، وتعلّمَ فيها كثيرٌ من الذين أصبحوا لاحقًا أطبّاءَ وقانونيّينَ ومعلّمينَ وسائرَ أصحابِ المِهَن.
وهكذا، فإنَّ “لينا” تعودُ جذورُها لمنطقةِ “سَحاحير” ناوا، أرضِ السَّحَرة الذين استعانَ بهم فرعونُ في مواجهةِ سيّدِنا موسى، لكنّهم خذلوه وأسلموا، ولما هدّدهم بالصلبِ في جذوعِ النخلِ قالوا له: “فَاقْضِ ما أَنتَ قَاضٍ، إنما تَقْضِي هذه الحياةَ الدنيا”.
وناوا، هي ذاتُ المنطقةِ التي قالَ فيها ابنُها الشاعرُ الدبلوماسيُّ سيدُ أحمد الحردلو:
ناوا حديقةُ كرنفالٍ … ناوا جمالٌ … لا يُقالُ
ناوا … بلادُ الطيبِ الأخضرِ في بابِ الشمالِ
أنا ساجدٌ في راحتيك أشمُّ أخبارَ الجمالِ
علّمتِ قلبي أن يُغنّي أن يكونَ … وأن ينالَ
أخبرتْني أمجادُ أرضي كيف أمتشقُ النضالَ
باسمِ كلِّ أهالي ناوا الحبيبة؛ نباركُ للعروسِ “لينا” وللعريسِ الوجيهِ (العزَّال)، الإعلاميِّ الناجح أحمد العربي زفافَهما الميمونَ، نسألُ الله أن يملأَ حياتَهما سعادةً وفرحًا، وأن يُباركَ لهما في مستقبلِهما ويقرَّ أعينَهما بما يحبُّ ويرضى. والتهاني ممتدّةٌ لتشملَ أسرتَي العروسين.
والتحيّةُ للضيوفِ وحضورِهم المتميّز.
aabdoaadvo2019@gmail.com